الدكتور باسم الكسواني أمين سر نقابة أطباء الأردن: " نعجز عن وصف ما رأيناه فحالات البتر والحرق حتى التفحم هي التي تتحدث !!"
وبمرارة يتذكر الكسواني لحظات تكدس الجرحى في سيارات الإسعاف وفي قسم الطواريء بالعشرات من عائلة واحدة
ويؤكد الكسواني استعمال القوات الصهيونية للفسفور الأبيض الذي ينفرد بخاصية اشتعاله من جديد عندما يرفع من التراب ويلامس أكسوجين الهواء الجوي ، ولم يكتف الحقد الصهيوني بهذا ، فهناك أسلحة أخرى استخدمت في هذه الحرب لم يستطع الأطباء التعرف عليها بعد .
وكشف كستواني النقاب عن تباطؤ منظمة الصليب الأحمر و ضعف دورها بشكل لم يره في أي بلد من قبل ؛وأضاف ليس فقط الصليب الأحمر بل جميع المنتظمات الدولية حتى الأونوروا
أما الدكتور محمد الرفاعي
فأنه يختصر حكاية غزة في قصة عايشها قائلا :" شاب ليس في جسده إلا جرح صغير إلا أن جميع أحشائه الداخلية ممزقة ؛ الرئة .. الأمعاء .. الكبد .. كل شيء ، مما يدل على استخدام أسلحة كيميائية تدخل إلى الجسد ولا تخرج منه وتتحلل بداخله محدثة هذا النزيف وهذا الدمار ، يتابع الرفاعي : وما هي إلا لحظات حتى توفي الشاب فشعرنا بالحرج الشديد من والدته التي لم تر في جسده إلا جرحا صغيرا فكيف لم نستطع علاجه ، وعلى استحياء أخبرتها إذ لم يكن من المعقول أن نخفي عنها الخبر ، ففاجأتنا بأن زغردت وحمدت الله قائلة : اليوم عرس ابني ، اليوم عرس الشهادة !!
هذه هي حكاية غزة جرائم حرب ممزوجة بمبشرات النصر" .
أما الدكتور عبد الرازق العبسي فقد أخذ يعدد أنواع قذائف آلة الإجرام الصهيوينة ، مؤكدا أنها جميعا تتعمد إحداث إصابات أقلها البتر ، فأعداد هائلة من المواطنين فقدوا أطرافهم السفلية بالإضافة إلى أحد الأطراف العلوية !!
وعن المشهد الذي لا ينساه العبسي قال : جاءوا لي بطفل متفحم وقد نهشت الكلاب بعض أجزاء من جسده ، كما لن ينسى العبسي زميله الطبيب الذي فوجيء بجميع أفراد أسرته يلقى بهم على أسرة المستشفى وبين طرقاتها وهم جرحى جراء قصف منزله ، فاسرع محاولا إنقاذ أخيه إلا أنه لفظ أنفاسه بين يديه .
وقد تمنى العبسي أن يجد رصاصة أو أي آثار لإطلاق رصاص في جسد جريح أو على الأقل أن يرى مكان دخولها وخروجها !! ، لكن هذا لم يحدث ، فآلة الدمار المجرمة لا تستخدم غير الصواريخ التي أقلها ما تطلقه الإف 16 التي تلقي في كل قذيفة بألف كيلو من ال( تي إن تي ) علما بأن 4 كيلو فقط من هذه المادة كفيلة بقتل العشرات ! ويضيف العبسي : لم تبق لنا صواريخ الحقد عملا نقوم به إلا البتر أو تركيب مثبتات خارجية ، ولم تترك لنا مجالا للتدخل بعلاج جراحي .
ويؤكد العبسي كسائر زملائه أن على صمود غزة قائلا : لن يقهر شعب مرابط ، فقد دخلنا وفي أنفسنا شيء من الخوف وهم من ثبتونا ودفعونا للأمام ،
ويقول : " أجساد الجرحى كانت كالإسفنجة يرشح منها الدم ، ورغم وفرة أكياس الدم وتزويدنا المستمر للجريح به إلا أن جسده يظل يرشح حتى يرتقي شهيدا ، ويؤكد عبد العزيز أن هذا يدل على استخدام أسلحة كيميائية لها القدرة على الذوبان في الجسد وتسميمه ، ومما يؤكد ذلك أيضا عدم وجود منافذ لخروج القذائف وكذلك عدم وجود أي آثار لها في الأشعات الضوئية التي يتم عملها على كامل الجسد مما يؤكد أنها قد ذابت في داخله " ويضيف " إن مخلفات هذه القذائف تسبب فشل في الكلى والكبد وتلف لعضلة القلب "
كذلك يعجب عبد العزيز من الكميات التي تلقى بها هذه الأسلحة : " كأنها لا تكلفهم شيء وكأنهم لا يدفون ثمنها !! ، أو كأنهم حصلوا عليها مجانا ليجربوها على أهل غزة وفي مقابل ذلك لهم مكافآت أخرى "
ولم يعجب عبد العزيز من الإصابات ومن كميات القذائف فقط ، فقد عجب أيضا من أخلاق هذا الشعب المرابط ، فمن يحتاج إلى بتر يعد نفسه من أهل العافية ؛ فهناك من تفحم نصفه السفلي تماما وامتلأ العلوي بالشظايا ، ومن إصابته دون التبر يستحي أن يحجز مقعدا في المستشفى ويشغل الأطباء عن آداء مهامهم فغيره أولى بالعلاج !!
والبصراطي لم يستوقفه مشهد الدماء ؛ إنما استوقفه مشهد شعب لا يعرف الطبقية ، فمن عامل النظافة إلى مدير المستشفى ، ومن مستشفى كمال عدوان في رفح إلى مستشفى الشفاء في قلب غزة ، نفس المشهد وكأنهم نفس الأشخاص ، الجميع يعمل تحت راية واحدة ، فمدير المستشفى يتجول ليل نهار بين الممرات يراقب سير العمل ويشارك فيه ، حتى في اللحظات التي يخطفونها لمتابعة الأخبار جميعهم يجلسون متلاصقين ، فقد وسعتهم المقاومة ، وكتبت على جباههم عش عزيزا أو مت وأنت كريم .
"وتأبى أخلاق الكرام إلا أن تحفونا من جودها "؛ يقول البصراطي ؛ ويضيف "مع أنهم رأس الحربة وشرف الأمة فقد اختاروا لنا أفضل الأماكن للنوم والراحة وقدموا لنا أفضل ما لديهم من طعام ، قائلين يكفي أنكم تركتم عياداتكم وأولادكم وجئتم إلى هنا لا يعلم أحدكم أيعود أم لا وإن عاد فقد يكون مصابا "
وعن الموقف الذي لا ينساه البصراطي يقول : " كنت متعبا واحتجت إلى دواء وذهبت لشرائه من صيدلية مجاورة للمستشفى فوجدت كل شيء معتم نسيت أن الكهرباء ممنوعة هنا ، وبصعوبة استطعت الوصول لرجل يجلس بجوار زوجته وأولاده وقد اتخذ من ظهر بيته صيدلية ، فطلبت الدواء وعلم من لهجتي أني مصري ، فسألني ، فأجبته أني طبيب وجئت لعلاج الجرحى ، فرفض أن يأخذ ثمن الدواء ، ولم أجد سبيلا للإلحاح عليه إلا أن ذكرته بالحصار وبحاجة أولاده ، إلا أنه استمر في رفضه قائلا : الله يرزق الله يفرجها "
ويضيف : " رأيت شعبا لم تنسهم الآلام ذكر ربهم فرغم تهشم الجماجم وخروج المخ منها ، وبقر البطون واندلاق أمعائها ؛ يروي لي زميلي المسعف عن جريح حمله في سيارة الإسعاف وقت صلاة الجمعة فأبى أن تفوته الصلاة ولم يجد إلا أن يقوم ـ وهو الجريح ـ بإلقاء خطبة الجمعة حتى وصل إلى المستشفى "
المفضلات