المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة القطار الازرق ........؟



**الدلوعه**
27-06-2007, 11:41 PM
١روسيا قصه القطار الازرق
التق يت " ب نادية " لأول م رة بف ندق أوآ رانيا ف ى مدي نة
موس كو ، و آان ت واقف ة ف ى الص ف أمام عاملة المقصف ، وتحاول
أن تجعله ا تفهم بالإشارة وبكـل وسائل التعبير ما تريده من أصناف
الطع ام ول م ت نفع ه ذه الوس يلة ، فتلف تت نادية إلى ناحيتى وأشارت
إل ى الأطباق التى أمامى على المائدة لتأتى لها العاملة بمثـلها تماما
..
ولم ا ت ناولت ا لطع ام م ن ف وق ال رف واستدارت ، بحثت بعينيها
ع ن مائ دة خال ية ، فلم ا ل م تج د ظه ر عل يها الض يق ، فل وحت له ا
ب يدى لتتفض ل وتجل س إل ى مائدت ى ، فجلست تأآل افطارها صامتة
بعد أن عبرت لى عن شكرها بهزة خفيفة من رأسها .
وتص ادف بع د ذل ك رآوب نا المص عد مع ا وه و ص اعد ون ازل ف ى
طواب ق الف ندق ، وآان ت تف تح عين يها الس وداوين عل ى س عتهما
وتح دق ف ى وجه ى آمـ ا آ نت أفع ل م ثلها فى صمت دون أن نتبادل
آلمة واحدة .
وتقابل نا س اعة الظه ر ف ى " الج وم " وآان ت م ع رفيقة لها فى
م ثل أناق تها وش بابها وحيوي تها ، وم ع أن رفيق تها بدت لى روسية
خالص ة .. ولك نهما تاه تا مثل ى ف ى ط رقات المتج ر ، فق د آ نا نل ف
٢
جم يعا ون دور ف ى ه ذا الت يه دون أن نه تدى إل ى ب اب الخ روج ..
وآلما تقابلنا ابتسمنا ابتسامة تجمع بين المرارة والعجز ..!
وآ نت آلم ا رأي تها نس يت م ا أن ا بس بيله .. وأش عر بأن ى سأظل
عل ى اتص ال دائ م به ا آلم ا تح رآت ف ى قل ب المدي نة الكبي رة ، وأن
ص ورتها ل ن تب رح خيال ى أب دا ، وب دا ل ى جل يا أنه ا تدعون ى ولا
تستطيع التعبير عن ذلك بالإشارة ولا بالكلام .
وف ى ص باح ي وم وقف ت عل ى ب اب المص عد ف ى ال دور التاس ع
آعادت ى لأن زل إل ى الطاب ق الأرض ى وآ ان السهم يشير بأنه نازل ..
فض غطت عل ى ال نور ، ولم ا وص ل طابق ى وف تح ال باب ، وجدت ه
ممتل ئا آله بالنساء من المضيفات اليابانيـات وغيرهن .. وليس فيه
موض ع ل ى .. فبق يت مكان ى .. وأش رت للعامل ة ف ى أس ف .. ب أن
تواص ل ط ريقها فى النـزول .. ولكنها لم تفعل وظل الباب مفتوحا ..
وسمعت صوت نادية من الداخل يردد مع صوت العاملة :
ـ تعال .. come بالإنجليزية ..
فدخلت وسط هؤلاء الفتيات وأنا شاعر بالخجل ، وظللن يضحكن
ويزقزقن آالعصافير حتى وصلنا إلى الأرض ..
وخ رجت م ن الفندق بصحبتها فى هذه المرة ، وأصبحنا نتجول
ف ى المدي نة مع ا ، وس رنى أنه ا تج يد الإنجلي زية ، فق د تع بت م ن
الحديث بالإشارة وأنها ذاهبة إلى " ليننجراد " مثلى .
قال ت ل ى أنه ا " فنل ندية " ومس لمة وتش تغل مدرس ة علم نفس
وجاءت إلى روسيا فى عطلة دراسية لتـزور صديقة لها فى طشقند
.. بدعوة منها .. وبعد أن توافر لها المال ..
وحدث تها بأنن ى التق يت منذ أآثر من ثلاثين سن ة ، على التحقيق
، بس يدة " فنل ندية " مس لمة وش ابة م ثلها .. عل ى ظه ر باخ رة
رومان ية .. ون زلنا ف ى " اس تانبول " .. وقض ينا ل يلة جم يلة عل ى
ضفاف البسفور ..
وس افرت ه ى إل ى " فنل ندا " .. عل ى أن تكتب لى .. وأعطيتها
عنوانى فى آونستنـزا ، وبودابست ، وفينا ..
٣
ولك ن بع د وص ولى بيوم ين اش تعلت الحرب فجأة فى أوربا عام
١٩٣٩ ، فع دت س ريعا إل ى مص ر ، وانقط ع بين نا آ ل اتصال .. ولا
شك أنها قدرت موتى آما قدرت موتها ..
وقالت " نادية " بعذوبة :
ـ قد يكون تقديرك مخطئا ..
ـ وق د يك ون ص ائبا .. وق د تذآ رت ه ذه الس يدة الآن بح نان
وشوق عندما رأيتك ..
ـ الأنى فنلندية ومسلمة مثلها .. ؟
ـ أج ل .. فك نا ن تحدث معا بالإنجليزية أيضا آما نتحدث الآن فى
طلاقة وود ..
وآ نت أبح ث ع ن أف لام " للكامي را " فاض طررنا أن ن ذهب إلى
ش ارع " جورآ ى " .. وآ ان الب رد ش ديدا والثلوج تتساقط بغزارة ،
فأشفقت عليها فى هذا الجو ونحن نعبر الشارع إلى المتجر ..
ث م خرجنا لنتغدى .. واتفقنا فى ساعة الغداء على أن نسافر فى
الغد إلى " ليننجراد " ..
وقض ينا نه ار الس فر مع ا نتس وق بع ض الأش ياء ون ودع مع الم
المدينة الجميلة ..
وآ ان القط ار المس افر إل ى " ليننج راد " يتح رك ف ى تم ام
الس اعة الثام نة مس اء .. فوص لنا المحط ة وال ثلج يتساقط والبرودة
تح ت الص فر ب ٢٥ درج ة .. وآان ت " نادي ة " متدث رة بمعط ف
س ميك وتغط ى رأس ها بق بعة زرق اء وف ى ي ديها القف از الص وفى ،
ومع ذلك خفت عليها من هذا الجو الثلجى .
ووقف نا عل ى الرصيف نرتعش من البرد ، وآانت المحطة خالية
من الرآاب تقريبا .. لأننا قدمنا قبل موعد السفر بمدة طويلة .
وأش فقت علي نا م وظفة مس نة ف ى المحط ة ، فأدخلت نا قاع ة
ان تظار الض يوف ، ف وجدنا قاع ة فس يحة مكيفة ، وشعرنا على التو
بالدفء والراحة ..
وخلع ت معطف ى وغط اء ال رأس والكوف ية الصوف ، وخلعت "
نادي ة " معطفه ا وقبع تها وقفازه ا ، وب دا ش عرها الأس ود مرس لا
م تموجا ش ديد اللمع ان ، وتألق ت عي ناها بع د أن خلع ت القبعة وزاد
٤
م ا ف يهما من صفاء ورقة ، وأسفرت عن فستان آحلى من الصوف
ج يد النس يج محك م التفص يل ، أض ـفى س حرا جدي دا عل ى بشرة فى
لون المرمر ونعومته ، وزاد الوجه نضارة وحسنا ..
وق درت س نها بم ا لاي زيد عل ى الثلاث ين س نة ، فق د ب دت ف ى
الجم ال الآس ر للم رأة ع ندما يك تمل عقله ا وجس مها مع ا .. وي زداد
ب ريق عين يها .. وتتفجر أنوثة وحيوية وهى تأخذ من الحياة قبل أن
تولى عنها ..
وقد أخذتنا السيدة الروس ية المكلفة بغرفة الضيوف فى المحطة
عل ى اعت بار أن نا ص ديقان أو زوجان .. رغم ما بيننا من فارق آبير
ف ى السن ، فقد آنت أآبر من " نادية " بعشرين عاما على الأقل ..
وق دمت ل نا الش اى الس اخن وم ا ع ندها م ن مج لات روس ية باللغ ة
الإنجليزية ..
ولم ا أخ رجت له ا " نادي ة " عل بة م ن الحل وى ف اض وج ه
العج وز بالبشر وتناولت قطعة صغيرة من الشيكولاته وردت الباقى
وهى تردد الشكر بالروسية التى لانعرفها ..
ورأي ت ف ى ه ذه الس يدة م ن الح نان والأم ومة م ثل م ا ش اهدته
تمام ا ف ى العج وز الأخرى التى آانت تشرح لنا باستفاضة ودقة آل
ط باع " تش يكوف " وأح واله ع ندما زرن ا بي ته ف ى هذا الصباح فى
قل ب موس كو ، حت ى تص ورت أنه ا ه ى الت ى رب ته عل ى ص درها
.. وهو جيل عطوف صهرته الحياة وأظهرت فيه أجمل صفاته ..
آان ت العج وز ف ى المحط ة لاتف تأ تس ألنا بالإش ارة إن آ نا ف ى
حاج ة إل ى ش ىء آخ ر غي ر الش اى ، فش كرناها بح رارة ، وقل نا لها
بالإش ارة أيضا أننا أعددنا لليل الطويل فى القطار آل ما نحتاجه من
طعام ..
وآان ت تنظ ر الينا فى تمعن وتطيل النظر وتحاول أن تقول شيئا
لاتس تطيع التعبي ر ع نه بالإشارة ، شيئا آان يدور فى رأسها ويحتل
مراآز تفكيرها ..
***
٥
وق بل م وعد القط ار ب ربع س اعة ، ودع نا الس يدة العج وز
وخ رجنا إل ى رص يف المحط ة وال ثلج لايزال يتساقط وآل منا يحمل
حقيبته فى يده ..
وم ررنا عل ى ص ف ط ويل م ن الع ربات ، أن ه قط ار ط ويل ، بل
أط ول قط ار رأي ته ف ى حيات ى .. قط ار أزرق فاخ ر .. وعلى باب آل
ع ربة وقف ت الكمس ارية ب ردائها الأزرق الجم يل وآأنه ا قطع ة م ن
جماله ، وقفت ساآنة متهيئة للرحلة الطويلة .
وآان ت ع ربتنا ه ى ال رابعة وراء القاط رة .. وحيت نا الكمسارية
عل ى ال بـاب ودخل نا ف ى ط رقة الع ربة المفروش ة بالس جاد إل ى
مقصورتنا .
ووض عت حقي بة " نادي ة " وحقيبت ى ف ى ال داخل ف ى المك ان
المخص ص للحقائ ب وخ رجت م ن المقص ورة أتطل ع م ن ال نافذة
وأعط ى الفرص ة " ل نادية " ل تخلع معطفه ا وقبع تها وآ ل ما آانت
تتقى به البرد فى خارج القطار .
***
وقف ت أرق ب الرص يف م ن ال نافذة وأن وار المص ابيح ال زاهية ق د
غش اها ال ثلج المت س اقط فأص بحت ش هباء ت ريح الع ين ، وبدا شىء
أش به بالس تارة ال زرقاء ق د انس دل ف وق آ ل م ا يح يط ب نا م ن أبنية
وأش جار ، وآ ان المسافرون الذين يتحرآون على الرصيف قلة من
السائحين والروس وبعض الضباط بملابسهم الرسمية ..
وب دا الس كون واض حا ، ول م أس مع صفيرا للقطارات ولا زعيقا
ولا ض جة ، ورأي ت قط ارات أخ رى وآله ا زرق اء واقف ة ح ذاء
الأرصفة تنتظر من يأذن لها بالمسير ..
وأحسس ت " ب نادية " تق ف بجانب ى منش رحة الص در ، وق د
غي رت فس تانها وب دت آأنه ا تل بس رداء أع د للس فر الط ويل ،
وأخـ ذنا ن تحدث ون تطلع إل ى بع يد ، وآ ان رأس ى يش تعل بالل يلة "
الحالمة " ..
وظللنا نرقب الرصيف بعيون ثابتة بعد أن أزحنا الستارة آلها ،
وآان ت الح رآة قل يلة وم ن يظه ر م ن ح ين إل ى ح ين م ن ال رآاب
يمض ى س ريعا وي دخل ف ى جوف العربة الدافىء ومعظمهم أزواج ،
٦
رج ل وام رأة فم ن الذى يقضى اثنتى عشرة ساعة فى القطار وحده
دون رفيق أو أنيس ..
وش عرنا ب أن القط ار بدأ يتحرك ببطء وينسحب على الرصيف ،
وظل ت عيون نا معلق ة بأنوار المدينة المتألقة وبالثلج المتساقط على
الأعم دة وأس لاك الب رق وف روع الأش جار . وشاهدنا من بعيد شيخا
آبي را يمش ى ب تؤدة ف ى ط ريق ص اعد وه و يطل ع وس ط ال ثلوج ،
ورغ م الجه د والتعب البادين على ملامحه وجسمه ، فإنه رفض أن
تعينه امرأة آانت بجانبه ..
وقالت نادية وقد تأثرت من منظره :
ـ إنه يتحرك بإرادته وحده ..
فقلت معقبا :
ـ ولعل ه ح ارب وانتص ر بإرادت ه أيض ا .. وأحسبه فقد ساقه فى
الحرب .. ولكنه ظل صلدا ..
وسلطت الكاميرا عليه ..
فسألت نادية :
ـ هل ستظهر الصورة .. ؟
ـ أرجو هذا ..
وخـ يل إل ىّ ونح ن ف ى الممش ى أن ه لا ي وجد رآ اب س وانا ف ى هـ ذه
الع ربة . وآان ت الكمس ارية واقف ة ه ناك عل ى الجان ب الأيم ن م ن
الم دخل ، ث م تح رآت وأخ ذت تنـ زل س تائر النوافذ الخارجية آلها ،
ودخل نا المقص ورة وردت نادي ة ال باب .. وحم دت الله عل ى أن
الس ريرين م تجاوران ، ف لا داع ى لأن يص عد أح دنا عل ى سلم وينام
فوق سرير الآخر ..
وس حبت " نادي ة " الطاول ة التى بين السريرين وأخذت تخرج
من حقيبة اليد بعض الأشياء وتضعها على الطاولة ..
وقالت وهى تدور بعينيها فى جوانب المقصورة :
ـ جميلة .. ؟ !
ـ جدا .. اتفضلين هذا الجانب ، أم تحبين مكانى .. ؟
ـ شكرا أننى مستريحة هنا ..
٧
وأخ ذت تج رى المش ط عل ى ش عرها الأس ود ال ناعم .. وترس له إل ى
ال وراء وه ى ترمقن ى بعين يها الواس عتين ب نفس النظ رة الثاب تة
المفكرة التى آانت فى موسكو ..
وأخ رجت المجلات الإنجليزية والكتب لتتسلى بها فى القطار إن
طابت لها القراءة ..
ونهضت وفتحت الباب وأنا أقول " لنادية " :
ـ سأطلب من الكمسارية قدحا من الشاى ، ألا ترغبين .. ؟
ـ أرغب .. ولكن الشاى يقدم عادة فى الصباح ..
ـ ولكنى سأحاول ..
وآان ت " الكمس ارية " جالس ة ف ى مقص ورتها بكام ل زيه ا
الرس مى ، فطل بت الش اى بالإنجلي زية ، وس رنى أنه ا تع رف ه ذه
اللغة .. فنهضت على الفور لتصنعه ..
وحمل ت ل نا قدح ين آبي رين م ن الش اى مم زوجين بالسكر على
عك س الش اى ال ذى يش رب ف ى قط ارات الص ين ، وح يت نادي ة
وهشت وبشت فى وجهها . ودلتنى وهى تنسحب على عربة الطعام
.. فش كرناها وآ ان مع نا طعام نا .. تس وقناه من بقالة فى موسكو ..
خب ز وزب د ولح م بق ر صنعت منه " نادية " شطائر شهية ، سنأآل
م نها آلم ا أحسس نا بالج وع ، دون أن نتق يد بمواع يد الطع ام ف ى
القطار ..
وأخ ذنا ن تحدث ، ون تطلع م ن ال نافذة ف ى جلس تنا المريحة عن
الل يل ف ى روس يا ف ى الق رى والحق ول والمص انع والم دن الصغيرة
والكبيرة .. وآان القطـار يمضى آالسهم ، ولكن لانحس بسرعته .
وعج بت لإحساس ى نح و " نادي ة " .. ف بعد س اعة آامل ة م ن
الانف راد به ا ف ى مقصورة ضيقة مغلقة الباب .. لم المس آتفها ولا
خ دها ولاش عرها .. ول م أش عر بال رغبة ف ى ذل ك ول م أبادله ا آلم ة
غ زل واح دة .. أن ا ال ذى آ نت أتح رق ش وقا إل ى الس ائحات ف ى
موس كو ، وأش تهى مض يفات الطائ رات ال نازلات ف ى الف نادق
وع املات المص اعد ، وآ ل ش ابة التق ى به ا وأج د ع ندها ال رغبة
لمبادلتى النظر والحديث ..
٨
آ نت أتح رق ش وقا لأن أض م آ ل أنث ى تس تجيب لرغبت ى ..
ولم ا ج اءت الأنث ى وأص بحت عل ى قيد ذراع منى والباب مغلق
والس كون يخ يم ، وآل شىء يهيىء النفس لإشعال العواطف ..
لق يت نفس ى ب اردا م يت الإحسـاس .. ميت العواطف .. لا أحس
ب أى إحس اس مم ا يش عر ب ه الرجل نحو المرأة عندما يخلو بها
.. وت دفقت ب دلها عواط ف جديدة فى آيانى آله .. أحسست بهـا
لأول مرة .. عواطف من الحنان الخالص والعطف الشديد ..
فلما قالت لى بأنها تشعر بصداع خفيف ، وضعت أمامها آل مـا
مع ى م ن أق راص ومس كنات للص داع .. وآان ت الح رارة ف ى
المقص ورة ق د زادت ف خ رجت وت رآتها ل تخفف م ن ملابس ها وتفعل
آ ل م ا تح ب أن تغيره الأنثى من ملابسها وهى وحدها ولا تضايقها
نظرات الرجل ..
وعج بت أن ا ال رجل الأع زب ال ذى ل م يت زوج قط ويعاشر المرأة
ليص ورها .. آمص ور للص حف .. ويب يع ص ورتها دون اعت بار
لص احبة الصورة .. أنا بكل صفاتى أصبحت فجأة أحترم هذه السيدة
وأجلها ، ولم أفكر قط فى أن آخذ لها صورة ..
وآانت تقرأ خواطرى فى موسكو وتقول لى بعذوبة :
ـ لماذا لاتأخذ لى صورة .. ؟
وآنت أجيبها :
ـ سأص ورك ص ورة تذآارية عندما نفترق فى " ليننجراد " أما
هنا فلا ..
ـ هل أنت بخيل .. ؟
ـ جدا ..!
ـإذا سأشترى لك الفيلم ..!
أنه ا تخلق فى آل آلمة من آلمات الحوار جمالا بلاغيا آان يهز
مش ـاعرى ، وض حكت .. وآان ت مس الك تفكي رى تط رد .. وآ نت
أخ اف م ن ش ىء لا أعرفه ولذلك لم أحاول تصويرها قط . ولم أفكر
ف يه م ع أن ص ورتها مغ رية .. ومثي رة ف ى جريدتى .. شابة فنلن دية
مس لمة رائع ة الحس ن بك ل الملام ح الش رقية ف ى العين ين والخ دين
والأن ف والف م والجب ين والش فة ال رقيقة الحالم ة .. أى آس ب وأى
٩
إغ راء بع د ه ذا .. ولك ن آ ل حلق ات تفكي رى آمص ور آان ت تق ف
عندها وتصدم بشىء أعزه فيها ولا أعرف مكنونه .
***
آان ت " نادي ة " ق د زارت ليننج راد .. ق بل مجيئها إلى موسكو
وطش قند . لأن ليننج راد أق رب الم دن الروس ية إل ى فنل ندا ، ول ذلك
أخذت تحدثنى عن ليننجراد وما سنشاهده فيها من جمال وبهجة .
وقالت برقة :
ـ وسنقضى يوما بطوله فى " الأرميتاج " ..
ـ يوما بطوله .. ؟
ـ وال يوم لايكف ى .. ألس ت مص ورا ؟ سترى بعينيك أنه لايكفى ..
إن فيه أجمل ما صنعه الرسامون فى العالم أجمع ..
وت ناولت لفاف ة الطعام وأخذنا نأآل على مهل ، وآان فى الكيس
ث لاث تفاح ات آبي رة .. فأآ ل آ ل م نا واح دة ، واقت رحت نادي ة أن
تعط ى الثال ثة لكمس ارية الع ربة ، وخ رجت م ن المقص ورة لتعطيها
التفاحة .
وعادت الكمسارية إلينا تشكر ومعها دفتر ، وطلبت أن نكتب لها
آلم ة تذآاري ة ، وآت بت نادي ة آلم ة بالإنجلي زية أعجبتن ى ج دا ،
ووقع ت تح تها باس مها ووقع ت أن ا باس مى " اب راهيم " بالح روف
اللاتينية الكبيرة .
وأرادت الكمس ارية أن تع رف م نطوق الاس مين فك ررته له ا
نادي ة .. نادي ة .. اب راهيم .. والكمس ارية تح اول نط ق الاس مين
وراءها بلكنة وأنا أضحك ..
***
وآانت الساعة قد تجاوزت العاشرة بعد أن فرغنا من العشاء ..
واقت رحت أن نخ رج إل ى الط رقة ونتمش ى قل يلا حت ى لا نص اب
بالخمول ..
فخ رجنا وواص لنا الس ير إل ى الع ربات الأخ رى .. وآان ت معظ م
أب واب المقص ورات مغلق ة ، وقل يل م ن ال رآاب آ ان يق ف مثل نا فى
الممشى ..
١٠
ولكن الوقفة بجوار النافذة والقطار يمضى و يطوى فى الليل آل
ش ىء وراءه .. آ ان لها فعل السحر فى نفس " نادية " فقد تفتحت
نفس ها وتطل ق وجهه ا وأخ ذت تدف ع ش فتها الس فلى إل ى جان ب ..
وتفتح عينيها السوداوين إلى ما وراء الحجب ..
وش عرت أن ه القط ار ال ذى يط وى ال زمن .. ول م أع د ف ى فت رة
الأح لام أش عر بش ىء .. ثم تنبهت على يد " نادية " على آتفى ولم
أتح رك من مكانى حتى لا أجرح شعورها .. إن السعادة حالة نفسية
، وق د أحسس ت به ا ف ى ه ذه الس اعة إل ى أقصى مدى .. وأحسست
بع د ذل ك بأنه ا وض عت خ دها عل ى آتف ى الأيس ر بجان ب الص در ..
ق ريبا م ن القل ب .. ولم أتحرك .. وشعرت فى هذه اللحظة بأن نادية
ج زء م ن آيان ى .. ولا انفص ال ل نا بع دها .. ول م أس ألها إن آان ت
متزوجه أم لا .. لأنها لم تسألنى هذا السؤال ..
واستفقت على صوتها :
ـ نرجع ..
وآ نا ق د تجاوزن ا ع ربتنا ب ثلاث عربات على الأقل .. فعدنا على
مه ل ، وبع د أن دخل نا المقص ورة بقل يل واض طجع نا وأخذت تقرأ ..
وأنا أقلب فى صفحات المجلات .
س معت نق را خف يفا عل ى ال باب فقم ت وفتح ته ، ف وجدت ف تاة
رش يقة ف ى الط رقة وناولتن ى بطاق ة عل يها ص ورة قارئ ة آ ف
مشهورة موجودة فى القطار !!
وأخ ذت " نادي ة " تح اور الف تاة بالإنجلي زية وآان ت ض احكة
م رحة وف ى ل باس قص ير ج دا جعله ا ش به عاري ة ، وق درت أنه ا
إنجليزية أو دنمرآية ، فقد آانت شقراء الشعر وسيمة ..
وسألتها عن العرافة :
ـ أين هى ؟
ـ فى العربة السادسة والمقصورة السابعة ..
ـ وآم الأجر ؟
ـ عشرة دولارات ..
ـ هذا آثير ..
١١
ـ إن ال ناس تس افر ال يها .. وتص رف آلاف ال د ولارات لت راها ..
ولكنها الآن موجودة وفى القطار ..!
وسألت نادية :
ـ هل ترغبين ؟
ـ لا .. أنا أعرف حظى ..!
ث م رأي نا أن ن ذهب لمج رد الف رجة .. وف تحت الف تاة ب اب
المقص ورة قل يلا لن رى م ن بع يد .. ف وجدنا عج وزا نح يلة تجل س
مس ترخية عل ى الس رير .. وش دنى وجهه ا بغض ونه و تجاع يده ..
وآان ت ف وق الثمان ين .. وعي ناها تلمعـ ان ف ى ح دة وق وة أبص ار
غريبة آعينى العقاب
وبدت فى جلستها قصيرة جدا ونحيفة ، ولكنها آانت تتحدث
بالإنجليزية بطلاقة مذهلة ..
وقلت لنادية :
ـ أدخلى ..
فقالت :
ـ لا .. ولكن لنقف ونتفرج ..
ووقف نا م ع الواقف ين ع ل ى ال باب .. وآ ان أمر العرافة قد عرف فى
القط ار وأص بحت تس لية للمسافرين ، ولم يكن تسمح لغير الراغب
ف ى الدخ ول .. ولم نسمع من آلامها حرفا لأنها تغلق الباب تماما ،
وبداف ع الفض ول دخل ت أنا " ونادية " وسألتها إن آنت أستطيع أن
أدفع بعملة أخرى ..
فقالت بالإنجليزية :
ـ دولارات فقط ..!
وتلفت نحو نادية لنخرج .. وأنا أقول :
ـ بالعشرة دولارات نقضى يوما ممتعا فى ليننجراد ..
فهمست نادية :
ـ إن منظر المرأة يسحرنى ..
وأخرجت ورقة بعشرة دولارات وناولتها للعرافة ..
وسألتنى :
١٢
ـ من الذى سنقرأ آفه أنت أم هى ؟
ـ أنا ..
ـ اذن تخرج السيدة ..
ـ ليس بيننا أسرار ..
وأصرت على خروجها ..
وناولتها آفى ..
فقالت بصوت هادىء :
ـ ي دك مع روقة .. وطويلة .. وخطوطها واضحة .. أسفار آثيرة
.. وم ن س ن العش رين وأن ت تس افر ، والح ظ عاث ر ، أرى لق اء ف ى
س فينة ب ين عاش قين ، وأرى بح ر مرم رة .. والبس فور ، وه اج
البح ر ، ودوت الق نابل ، وأرى ف تاة جم يلة ثم رة له ذا اللق اء ..
عاشت والتقت بوالدها بعد سنين وسنين ..
وذهل ت ع ند س ماع ق ولها .. وأخ ذت أردد .. بح ر .. مرم رة ..
والبس فور .. وس فينة .. ولق اء .. وبح ر مرمرة بالذات ولم تقل بحرا
آكل البحور ..
وسألت وأنا أرتعش :
والأم ما زالت تعيش ؟
ـ أجل ..
ـ أين ..
ـ فى مدينة آبيرة .. وهى غنية وما زالت جميلة ..
وظلل ت واقف ا والع رق يتفص د عل ى جبين ى .. آ اد وقع المفاجأة
أن يص يبنى ب دوار .. ث م تمالك ت زمـ ام نفس ى وخ رجـت ش احب
الوجـه .
سألتنى نادية :
ـ ما الذى قالته لك .. ؟
ـ لا شىء .. مجرد أآاذيب آالمعتاد ..
وف ى المقص ورة أخذت أحدق فى وجهها ورجعت أتذآر أمها ..
نف س العين ين وخ ط الأن ف ونف س البس مة عل ى الش فتين ونف س
الطباع ..
١٣
وعادت نادية تسأل :
ـ ما الذى قالته لك المرأة ؟
ـ ما الذى تقوله عرافة .. أآاذيب بالطبع ..!
ـ أريد أن أسمعها ..
ـ قال ت أن ى مت زوج .. وخ ط الس عد واض ح .. وتنتظرن ى ث روة
آبي رة .. وس أظل أسافر دوما .. ولو عرفت أننى مصرى لقالت أننا
سنهزم إسرائيل فى هذا الشهر
ـ وإذا آنت لاتصدقها .. فلماذا تغير حالك بعد قولها .. ؟
ـ هذا يحدث لكل إنسان ..
وخ يم بين نا الص مت ، ول م أآ ن أن ام ف ى القط ارات .. وتم ددت
لتنام هى .. بعد أن خففت الضوء وشمل الظلام المقصورة ..
ثم سمعت صوتها :
ـ هل نمت ؟
ـ أحاول ذلك ..
ـ متى نصل ليننجراد ؟
ـ فى الساعة الثامنة صباحا ..
ـ وأين سننـزل .. ؟
ـ فى فندق ليننجراد ..!
ـ حجزت ؟
ـ أجل ..
وخطر على بالى سؤال ، فقلت لها :
ـ نادية .. هل والدك موجود .. ؟
ـ لا .. لقد توفى فى أثناء الحرب ..
ـ وأمك .. ؟
ـ تعيش معى فى فنلندا .. وهى لا تزال صبية وجميلة مع أنها
تقترب من الخمسين ..
ـ وما أسمها .. ؟
ـ صفية خير الله ..
١٤
وارتعش قلبى ..
وسمعت " نادية " تقول بعد فترة صمت :
ـ إن صورتها معى فى الحقيبة ، هل تحب أن تراها الآن ؟
ـ فى الصباح يا نادية .. لاداعى للتعب فى الليل ..
آنت أود أن أعيش فى ظل الشك .. ولو حتى إلى الصباح ،
فالحقيقة السافرة مع آل ما تحمل من فرحة .. فيها وقع الفجاءة
التى لم أآن أتوقع حدوثها قط ، فقدشطر آيانى نصفين .. إن
القطار الأزرق حملنى عبر السنين إلى بعيد وأنا لا أدرى .. لاشىء
ينسى .. وآل ما يحدث فى حياة الإنسان فهو لاصق بوجوده ..
لق د آانت " نادية " أستاذة علم النفس وتقرأ أفكارى ، وتعرف
هواجسى ، ومشاعرى ، وما أنا فيه من فرحة واضطراب .. ولكنها
لزمت الصمت ..
وبع د س اعة قم ت وغط يت " نادي ة " بالبطانية .. ولم يكن جو
المقصورة يحتاج إلى غطاء ..
=============================================
نشرت القصة فى مجلة الثقافة اآتوبر ١٩٧٣ وأعيد نشرها
فى مجموعة عودة الابن الضال١٩٩٣ لمحمود البدوى
======================== ======:36_1_44[1]:

**الدلوعه**
27-06-2007, 11:42 PM
التكمله بكره انشاء الله

popular girl
28-06-2007, 02:26 AM
ياهو يالدلوعه احس القصه مشوقه بس مقطعه الاحرف ياليت تعيدينها اوضح