المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فيدوروف ونظريته في الترجمة: بعض تأملات



Try To Reach
27-09-2007, 10:32 PM
http://www.saudienglish.net/vb/uploaded/16654_01190509339.gif

فيدوروف ونظريته في الترجمة: بعض تأملات

سرخيو بولانيوس كويار

ترجمة وإعداد

زيد العامري الرفاعي

كاتب ومترجم

(ولاية كاليفورنيا الامريكية)



على الرغم من وجود مجلات متخصصة في مجال الترجمة والتي لبعضها انتشار عالمي ( Babel، Target ، Metaو Lebende Sprachen) ،إلا أن دارسي علم اللغة لم يعيروا مادة الترجمة الأهمية التي تستحقها ولم يخصصوا لها المجال الكافي لدراستها الدراسة الموثقة بعناية ، والى هذا يشير ( 1)Georgr Mounin قبل اكثر من عقدين من الزمان إذ يقول :

مازال يكتنف مجال الدراسة العلمية للنشاط الترجمي امر نادر وفريد يتمثل بتجاهل نظرية اللغة للترجمة باعتبارها عملية لغوية متخصصة واسعة الانتشار واداة مبدعة ربما في اللغة ومن غير شك في الفكر؛ بينما نجد على سبيل المثال ان اي دراسة شاملة للفلسفة لابد ان تتضمن دراسة نظرية اللغة . هكذا تجاهلوا الترجمة كظاهرة وكمشكلة خاصة في اللغة. وقلما تجد في كتابات Ferdinad de Sauccure ، Jesperson، Sapir و Bloomfield أكثر من اربع او خمس اشارات عرضية تذكر فيها الترجمة بصورة هامشية تعزيزا لوجهة نظر لا تمت لها(للترجمة) بصلة مطلقا و قلما تشغل مجمل هذه التعريضات صفحة واحدة .



ومنذ أن أطلق مونين شكواه ظل هذا الموقف اللامبالي لعلم اللغة تجاه الترجمة على حاله ، الى ان أدهشتنا مجلة Linguistics بتخصيص عددها 34 لسنة 1996 لدراسة الترجمة ، إذ كتب في مقدمة العدد ان مشاكل الترجمة لاتقع ضمن مجال اهتمام هذه المجلة ولا اهتمام مجلات لغوية اخرى لان دراسة الاوجه المتخصصة للترجمات لا يقع تقليديا ضمن نطاق علم اللغة الخاص ، ان لم تكن خارجه. ولهذا فاي بعد لغوي للترجمة سيشابه احد تلك الابعاد التي يتناوله علم اللغة على اية حال ولهذا لا تستحق اهتماما خاصا بها. على ان احد اهداف هذا العدد الخاص هو لإثبات أن مسائل الترجمة ومشاكلها هي ،الى حد بعيد، موضوعات لغوية بحتة وان كانت ذات طابع خاص لم يتعامل معه علم اللغة ولم يتناوله حتى ألان بصورة منهجية.



ويتضح من ذلك إننا نجد أنفسنا إزاء تناقض ظاهري يتمثل بعدم دراسة الترجمة ، وهي أساسا عملية لغوية، في اطار العلم المتخصص بالتحليل اللغوي - أي في إطار علم اللغة. وبإدراكنا للطبيعة اللغوية للترجمة والتي "تجاهلتها" الدراسات اللغوية ، نود عبر هذه الدراسة ان نساهم في تبيان ان الترجمة هي اولا وقبل كل شيء ظاهرة لغوية، مستندين في دراستنا هذه الى فصل لم ينل قسطه من الدراسة الوافية في تاريخ علم اللغة السوفيتي وعلى وجه التحديد ما يتعلق بافكار Anderi Fedorov حول الترجمة والذي عرضه في كتابه مقدمة في نظرية الترجمة (الصادر في موسكو ، 1953 ، والذي لايزال غير مترجما للغة الأسبانية).



سيتناول البحث المحاور الأربعة التالية:





1 - مكانة فيدوروف في النظرية الحديثة للترجمة


قد يتساءل المرء: ما العبرة في تناول عمل فيدوروف بعد أربعة عقود من نشره؟ وما الذي يضفي عليه هذه الاهمية؟ ونستشهد ثانية بمونين إذ يقول:



" ان المترجمين، منذ الفي سنة ، لم يضفوا على نشاطهم ، اكثر من كونه ادلاء وتوثيق لشهادات ذات اسلوب ارشادي تعليمي مسهب .ان اسماء مثل شيشرون و هوراسيو وسان جيرونيمو ودانتي واراسمو قلما تعطي فكرة عامة عن مصادر الكتاب ومؤلفاتهم الذين ذكروا رايهم في الترجمة في معرض حديثهم عن امر اخر. غير اننا نجدهم، في افضل الاحوال، يقترحون انطباعات عامة وتخمينات شخصية وملخص للتجارب ووصفات مهنية . وعندما نجمع كل هذه المواد، كل حسب هواه ، نحصل على مادة ترجمة تجريبية غير قليلة الاهمية ولكنها تظل تجريبية.

غير ان الحال قد تغير، عندما ظهر عملان ،بفارق بضع سنين بينهما، حاولا حديثا لإيجاد وضع مختلف ومجال مختلف للدراسة العلمية للترجمة[.....]. ان فيدوروف بعزله النشاط الترجمي بهدف إرساء أسس دراسته العلمية (طرح نظرية للترجمة وترويجها)، يثبت في المقام الاول ان الترجمة هي عملية لغوية، وهي ظاهرة لغوية ويعتبر ان كل نظرية عن الترجمة لابد من ادراجها ضمن التخصصات اللغوية."

وفي هذا الصدد يقول Valentia Garcia Yerba :
" وهكذا توالت الاحداث الى ان ظهر حديثا نسبيا عملان ، بفارق زمني بينهما، حددا اتجاهات جديدة لنظرية الترجمة وهما كتاب فيدوروف V vedenie v teorju perevoda وبعنوان محور ايضا في طبعته الثالثة المنقحة عام 1968 (مبادىء نظرية عامة للترجمة) والاخر كتاب Paul Vinay - Jean و Jean Darbelnet مقارنة اسلوبية بين الفرنسية والانجليزية : منهج في الترجمة ، 1958 وبطبعة جديدة منقحة 1963)."

ويضيف قائلا:

" وعليه فان علم اللغة يمكن ان يدخل في نطاق اهتماماته دراسة النشاط الترجمي بل يجب ان يدخله. وانه لامر غير مبرر ان يستمر هذا الاهمال من قبل علماء اللغة لهذه الحلقة القديمة والمهمة من نشاط الفكر البشري، خصوصا باتحادها مع اللغة التي هي الميدان المباشر لعملها. وبظهور كتاب فيدوروف، تغير الوضع تماما فالمؤلف بطريقة علمية رصينة يعزل العملية الترجمية لدراستها بذاتها وفي الوقت نفسه يقدم ويطرح علما للترجمة. ويثبت منذ البداية ان الترجمة هي عملية لغوية مجالها قضايا لغوية [نصوص] و تستخدم وسائل لغوية[كلمات تتبع معايير او قوانين لغوية]. ولذلك يعتبر كل نظرية للترجمة لابد وان تشكل جزءا من مجموع التخصصات اللغوية."



وفي حديثه عن نقاط الضعف النظري - المنهجي لعلم الترجمة المتأتية- بين امور اخرى- من كونه علم حديث، في الأقل، في أسس تكوينه اللغوي - الدلالي ، يشير Wolfram Wilss الى الاتي:



إن دراسة فيدوروف المنشورة 1953 (والتي أعيد نشرها 1968 في طبعتها الرابعة وبعنوان جديد والتي لم تزل غير مترجمة للألمانية) حول المشاكل النظرية للترجمة، لم تفلح أيضا في قدح الشرارة الأولى بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ وربما كان سبب ذلك هوان هذا الكتاب يشغل موقعا وسطيا خاصا(2) بين النظرية التقليدية(الموجهة فقهيا) وبين النظرية الحديثة (الموجهة لغويا).



وإذا صح ماينسبه Wolfram Wilss عن الموقع الوسطي لنظرية فيدوروف بين فقه اللغة وعلم اللغة ؛ إلا اننا لا نجد في النص الروسي مايثبت صحة ذلك في الحديث عن الموقع الوسطي. بل علىالعكس من ذلك، نجد ان عمل فيدوروف، كما صرح بذلك مونين و Garcia Yerba ، يشكل ا حد اول عملين لغويين علميين عن نظرية الترجمة.



واخيرا نود ان نذكرGeorge Steiner وهو من بين الذين يقرون، في الاقل، في كتاباتهم بعمل فيدوروف رغم ان مثل هذا الاعتراف ما هو احيانا إلا إشارة عابرة على عجل. يشير قائلا: ثم ندلف بعمق الى تيار الترجمة المعاصرة [….]. فنجد ان المترجمين المهنين ينشئون جمعيات عالمية ويتضاعف عدد المجلات المتخصصة. وضمن هذا النشاط البحثي المحموم الذي يتخذ احيانا جهد جمعي، يبرز عمل فيدوروف مقدمة لنظرية الترجمة متألقا جدا(3). غير ان Steiner لايخبرنا ماهو شكل الدعم الذي قدمه عمل فيدوروف بل لايبين شيئا بالخصوص.



من جهة أخرى نرى باحثين معروفين في مجال نظرية الترجمة مثل Nida وTaber (4) التي لاتزال طروحاتهم فعالة بفضل وضوح منهجها ، و أخرين معاصرين من امثال Newmark و Larson (5) لا يذكرونه بالمرة في فهارس مؤلفاتهم.



عقب هذا السرد الموجز، يظل واضحا ان كتاب فيدوروف يستحق الدراسة والترويج له والتعريف به لاسباب تاريخية(كونه احد تلك الاعمال العلمية الاولية حول الترجمة)، وثانيا بفضل حداثة طروحاته المتنوعة وصلاحيتها كما سنرى ذلك لاحقا.





2 - الجمع بين النظرية والتطبيق

ان احد تلك القضايا الخلافية والمثيرة للجدل في نمو نظرية الترجمة وتطورها هي عدم امكانية اثبات واقامة علاقة مباشرة بين الطرح النظري و التطبيق العملي للترجمة سواء اكانت على مستوى تعليمي ام على مستوى المشاكل التي يواجهها المترجمون في نشاطهم اليومي والتي يجب ان يجدوا لها الحلول.



والى هذا يشير بوضوح Frank G. Koenigs :

ان مجال النقاش في علم الترجمة امر ممكن لسببين هما اولا استخدامه لمصطلحات جديدة والتي تكون احيانا مستعصية الفهم على مستعملها، وثانيا لانه يتحرك ضمن منطقة شد بين الصياغة النظرية العلمية وبين امكانية تطبيق نتائجه، حيث يكمن الخطر - الذي نسمع الحديث عنه احيانا كثيرة - بان نظرياته لاتحوز ولاتنال رضى المشتغلين بعلم اللغة، فضلا عن الصعوبات التي يعانيها المترجمون لنقل مخزونهم المعرفي عن علم الترجمة الى ارض التطبيق وبانه يمكن" استغلال هذه النتائج على المستوى التعليمي في مؤسسات اعداد المترجمين".

وفي الاتجاه نفسه يطرح Volker Kapp آراؤه حول مشاكل النظرية والتطبيق في إعداد المترجمين:

"لا أحد يرتاب في أهمية المقارنة اللغوية بين لغتين ولا في الأساس النظري لنقد الترجمة والمعرفة المعجمية. إلا أنه يصعب أحيانا إقامة جسر نحو التطبيق بدء من أسس البحث النظري(.....) . واذا تمكن علم الترجمة الحديث من ان يحقق فهما جليا للمضامين النظرية للعملية الترجمية،إلا أن لذلك التقدم ثمنا غاليا وهو ان التجريد المتزايد للعلم يؤدي الى زيادة الهوة بين النظرية والتطبيق".



لنرى مايطرحه فيدوروف وبالاخص بما يتعلق بمنهج فرضيته كوسيلة يقترب من خلالها المترجم من بعض مبادىء نظرية في ميدان عمله. وبهذا يكون قد أجاب عن التساؤلات المتعلقة بالهوة بين النظرية والتطبيق التي اثارها Koenigs و Kapp .



يقول فيدوروف:" إن الكتاب الحالي يمثل خبرة مراجعة عامة لمشاكل الترجمة الأساسية. ولا يزعم أن يكون بمثابة منهج دراسي يتضمن كل مبادئ النشاط الترجمي ويتنبأ بكل الحالات الممكن ورودها معطيا اياها الوصفات العملية. إن هذا الكتاب ما هو إلا مدخل لنظرية الترجمة وقد اعد اخذين بنظر الاعتبار الاحتياجات والاهتمامات العلمية لأولئك المترجمين الذين لا يستطيعون أثناء ممارسة نشاطهم العملي من الإحاطة بالمسائل النظرية وعليه فان على المتخصصين بفقه اللغة سواء في عملهم البحثي أم في التطبيق التربوي التعليمي أن يحلوا المشاكل المتعلقة بتنوع اللغات وبالإمكانيات المختلفة لنقل النص الأصلي عبر وسائل لغة ما.

واستخدمنا في الكتاب نصوص وإعمال ترجمات من اللغات الفرنسية والالمانية والانجيليزية الى الروسية. وهذه اللغات في معظمها تدرس في معاهد وكليات تدريس اللغات الأجنبية كما ان لها- اي اللغات- مجالا وحظا وافرا في المناهج الجامعية لفقه اللغات .

وهكذا توضحت إذن فرضية فيدوروف العملية التي أخذت بنظر الاعتبار ما يساور المترجمين من تساؤلات نظرية فضلا عن تناولها المجال التعليمي للغات الأجنبية.وتجدر الاشارة هنا الى تأكيد فيدوروف بعدم إنتظار "وصفة" عملية لتوضيح آلية الترجمة في كل المجالات. وهذا التأكيد هو اجابة أساسية عن واقع يتمثل بأن الترجمة هي ترجمة "نصوص" وعليه من غير الممكن معرفة ورؤية ،عبر قائمة وصفات، مايجب عمله في كل الحالات التي تواجه المترجم عند كل نص يريد ترجمته. وفي هذا يقول فيدوروف:

إن هذا الامر يعني انه من غير الممكن إستعمال أي وصفة لتعالج كيفية الترجمة دائما لهذا النص أو لذلك ، حتى لو تعلق الامر بكلمة مرادفة، مجموعة كلمات ، صيغة نحوية معينة ، لسبب بسيط هو ان إحتمالات النقل(=الترجمة) تتباين حتما اعتمادا على جنس العمل المترجم أو نوع النص المترجم وعلى اسلوب المؤلف وعلى المرحلة الزمنية التي ينتمي اليها النص الاصلي وعلى المضمونين العام والخاص للنص.



3 - المكانة العلمية للترجمة

بقدر تعلق الامر بالمقام العلمي للترجمة، يقول فيدوروف



" يجب تمييز الترجمة كعملية ابداعية وكفن عن نظرية الترجمة كفرع علمي خاص اذ ان وظيفة الاخيرة هي اولا الاستنباط بدءا من ملاحظة حالات ترجمة مختلفة متناولة كل منها على حدة وثانيا توفير الاساس النظري للترجمة العملية والذي يمكن ان يوضح طريق البحث عن الوسائل (اللغوية) اللازمة لتقديم الحجج والبراهين لصالح حل نهائي لمسائل معينة ".



ويلاحظ من الوهلة الاولى ان نظرية الترجمة كفرع علمي خاص تتبع في منهجها اسلوبا جدليا ينطلق من ملاحظة حالات خاصة وصولا الى صيغ عامة تعتمد لاحقا لا ثبات فعاليتها في حالات معينة اخرى في التطبيق. ويوسع فيدوروف هذا المفهوم على النحو الاتي:



" تبرز، عند دراسة الترجمة على اساس البحث في اتساق اللغتين المترجم منه واليها، امكانية تعريف الاتساق عند مقارنة هاتين اللغتين، فضلا عن انه يمكن الوصول ،انطلاقا من منهجية المادة المترجمة وعبر ملاحظة مجموعة من اللغات، الى عموميات اوسع واشمل. وبهذه الطريقة وحدها يمكن ان نجعل من نظرية الترجمة فرعا علميا يستند الى دراسة الخصائص اللغوية."



ويضيف فيدوروف من الضروري ان نجد في الترجمة الوسائل (اللغوية) المناسبة التي تسمح بالتعبير في لغة الهدف عما موجود في اللغة الاصل. ولنرى مايسميه هو ‘ "الامرين اللذين يصح تطبيقهما على ترجمة أي نوع من انواع الترجمة"



1) هدف الترجمة (هو الاتي) كيف يتمكن القارئ(او المستمع)الذي يجهل لغة الاصل من التعرف على نص معين(او مضمون خطاب) باقرب طريقة ممكنة.

2) الترجمة تعني التعبير بدقة وبصورة كاملة، عبر وسائل لغة ما،عما عبرت عنه لغة اخرى بوسائلها اللغوية في اطار وحدة المضمون والشكل."



ان التاكيد الاول هو تناول حديث لانه يضع الترجمة في اطار عملي يكون فيها المشتركون بعملية الاتصال وبالاخص المستقبل(القارىء او المستمع) هم محور هدف الترجمة. وفي التأكيد الثاني نلحظ اهمية وحدة الشكل والمضمون وعلاقته بالترجمة.

إلا ان فيدوروف يتوسع اكثر مبينا الفرق بين النظرية العامة للترجمة والنظرية الخاصة للترجمة:



"وبالإضافة لأهميتها في السرد (والتوثيق) التاريخي، تبدو الحاجة ماسة إلى نظرية عامة للترجمة تتولى التعميم والصياغة المنهجية للاستنتاجات التي هي ثمرة رصد حالات خاصة معينة في الترجمة .



وبلا شك يمكن للنظرية العامة للترجمة ان ترتكز فقط على بحث حالات معينة تظهر عند الترجمة من لغة ما الى اخرى والتي تفترض ايضا دراسة النظرية الخاصة للترجمة، يعني من جهة علاقتها بالتحليل النظري للغتين وعلاقتهما المتبادلة. وبقدر تعلق الامر بالنظرية الخاصة بالترجمة- ترجمة من لغة معينة الى اخرى- فان النظرية العامة للترجمة تشغل حيزا مشابها للحيز الذي يشغله على سبيل المثال علم اللغة العام من حيث علاقته بنظرية لغة معينة وعلى وجه الخصوص: معاجمها،قواعدها، اصواتها والى اخره. وإذ تقوم النظرية العامة للترجمة بالصياغة العامة والمنهجية لبيانات النظرية الخاصة للترجمة(يعني الترجمة من لغة معينة الى اخرى) ، فأنها تستخدم في الوقت نفسه كمدخل الى مجموعة النظريات الخاصة للترجمة."



ويكتسب التمييز بين النظرية العامة والنظرية الخاصة للترجمة اهمية نظرية ومنهجية. فالمقارنة التي يقترحها فيدوروف بين هذين المفهومين وبين علم اللغة العام وعلم اللغة الخاص للغة ما، تجعلنا نرى بوضوح مجالات عمل كل واحد من هذه الفروع. ويمكننا فهم حالة التكامل بين النظرية العامة والنظرية الخاصة للترجمة بصورة افضل اذا اطلعنا على مايضيفه فيدوروف بهذا الصدد:



" في اطار النظرية العامة للترجمة،يجب التمييز بين امرين ثانويين:


ا-دراسة المشاكل والحالات العامة للعمل في اللغة المترجم اليها جنبا الى جنب ماتفرضه هذه اللغة من معايير للترجمة اليها من حيث هي واسطة للعلاقات ولتبادل الافكار فضلا عن نموذجها القومي العام المعتمد على اجناس المادة المترجمة والاسلوب الفردي للمؤلف.



ب- دراسة مشاكل الترجمة وحالاتها من حيث علاقتها بالاجناس الخاصة للمادة(نصوص صحفية واخبارية، علمية متخصصة، اعمال سياسية عامة، خطب، الادب في مختلف فروعه)، وتحليل المبادئ العامة على أساس ماينقله منهج الوسائل التعبيرية للاسلوب الفردي للكاتب. وهذا الاخير يعني في الوقت نفسه دراسة مبادئ تحليل نظرية الترجمة الخاصة.

ونود ان نؤكد على الاهمية التي يوليها فيدوروف للنموذج القومي العام للغة المترجم اليها وإقراره" بالاجناس الخاصة للمواد المترجمة" التي تناظر معالم( طوبوغرافية) نصية سنتناولها لاحقا.وفيما يتعلق بالمعيار القومي للغة ، يقول فيديوروف:

وهذا يعني ايضا الحاجة الى وجود تطابق وتوافق بين النص المترجم والنموذج الشائع للغة المترجم اليها لان مدى اقتراب الترجمة من القارئ وتمكنه منها هو الشرط الرئيسي لفهمها.

ولاجل ان تكون لغة الترجمة مفهومة من قبل القارئ ولكي تؤدي اللغة مقامها في الترجمة كأداة للاتصال بين الافراد، يجب ان تقابل او تستجيب - اي اللغة- للرموز الاساسية في اللغة القومية المشتركة. وهذا يعني انه من غير المسموح به ان تنحرف عن معيار اللغة القومية المشتركة التي يتكلمها قراء الكتاب المترجم؛ كما انه غير مسموح ايضا تطويع لغة الكتاب المترجم وتكييفها الى اللغة المترجم عنها.

وإذن يسود المعيار العملي في الاتصال الجماعي والذي فيه يجب ان يتكيف ويتلائم النص المترجم مع معيار الاستعمال الشائع للجماعة التي تتكلم هذه اللغة.وفي هذا السياق نفسه يذكر Nida و Taber :

إن اسبقية الجمهور على الاشكال اللغوية تعني اساسا ان تولى اهمية للاشكال اللغوية التي يفهمها ويتقبلها الجمهور الموجه اليه الترجمة اكثر مما للاشكال التي قد تتبع تقليدا لغويا عريقا او التي لها - اي الاشكال- تميز ادبي مشهود.



4 - الترجمة كعملية لغوية
يدعي غالبية من يوردون عمل فيدوروف - وهم قلة- في مؤلفاتهم، ان فيدوروف يثبت بصورة اعتباطية ان الترجمة هي عملية لغوية على وجه التحديد ويذهب بعضهم الى القول بان فيدرورف يتحدث عن ان الترجمة هي ببساطة عملية لغوية ،ونضرب مثلا لذلك ما يقوله Esteben Torre من ان اللغوي فيدوروف والمترجم ادمون كاري (Edmon Carry) يمثلان قطبين متعاكسين في مسالة كون الترجمة فنا ام علما. ففيدوروف يعتبر ان الترجمة ببساطة هي عملية لغوية وان علم الترجمة هو العلم الوحيد القادر على توفير الاسس الموضوعية لدراستها فيما يؤكد كاري ان الترجمة هي محض عملية ادبية وان الدراسات المتعلقة بها لا يمكن ان تشكل باي حال من الاحوال علما وانما فنا، فالترجمة الشعرية هي عملية شعرية والترجمة المسرحية هي نشاط مسرحي وعليه فان الترجمة هي نشاط ليس له جنس معين (sui generis).



وهنا يجدر بنا ان نقدم تحليل مونين بخصوص هذه المسالة:


" يتهم كاري - وكذلك النقود السوفيتية ضد فيدوروف- بخصوص صياغة نظرية للترجمة بوقوعه في دائرة "الانحراف اللغوي" بينما يتهمهم فيدوروف بالسعي الى "انحراف ادبي". وكلا الموقفين متطرفان لان كليهما ينظران الى بعد واحد في عملية تتكون في الاقل من بعدين. ويمكن ايجاز ما يقوله كاري والنقاد السوفيت بان الترجمة[ ادبية، شعرية، مسرحية، وسينمائية والخ] ليست عملية لغوية فحسب يمكن تناولها بالتحليل العلمي للمشاكل المعجمية والصرفية والنحوية. بينما يصر فيدوروف على الوجه الاخر : بان الترجمة هي في المقام الاول ودائما عملية لغوية وان علم اللغة هو القاسم المشترك والاساس لكل العمليات الترجمية. ان الترجمة [وبخاصة في مجال المسرح والسينما والعرض] تحتوي واقعا على عناصر ليست لغوية، أي خارج نطاق اللغة. غير ان كل عملية ترجميه- و فيدوروف محق بذلك- تشتمل في اساسها سلسلة من التحليلات والعمليات المعتمدة على اللغة خصوصا وان علم اللغة التطبيقي يمكنه ان يوضح ذلك بصورة افضل من اي مهني متمرس. ويمكن للمرءالقول ان اراد التشبيه بان الترجمة كالطب هي عملية فنية- ولكنها فن ذي اصول علمية-. لايمكن توضيح المسائل المتعلقة بشرعية العملية الترجمية و امكانياتها الا في اطار علم اللغة. واذا فكل من فيدوروف و فيناي لايقولون ولايزعمون امرا غيرذلك".



ان فيدوروف لا ينكر حقيقة كون بعض الترجمات هي اعمال فنية تنم عن ابداع المترجم:
" يفهم من كل ما قيل كم هو صعب عمل الترجمة المتمثل بالبحث الدؤوب عن وسائل لغوية للتعبير عن وحدة المحتوى-الشكل الموجودة في النص الاصلي وفي اختيار بعض الامكانيات التعبيرية. على ان لهذا السعي ولهذا الاختيار في بعض الحالات خاصية ابداعية، اذ نجد ان ترجمة الاعمال الادبية والنصوص السياسية ذات الطابع الاجتماعي وحتى النصوص العلمية،المختلفة في تعابيرها اللغوية، تقدم كفن وتتطلب موهبة ادبية "



.يستنتج من هذا ان تعبيرية اللغة-القابلية التعبيرية للغة- في ربط مكونات وحدة المضمون-والشكل هي التي تضفي على النص المترجم الطابع الادبي الابداعي الذي لاينحصر على ماهو ادبي وانما يتعداه الى نصوص اخرى كما اشار فيدوروف.

لنرى مايؤكده فيدوروف ادناه بخصوص الطابع الادبي للترجمة وهذا يكفي بحد ذاته كرد على مزاعم تجاهل فيدوروف لهذا الامر:

"يمكن دراسة مسائل الترجمة من عدة وجوه. اذ يمكن تناول المادة المترجمة من جهة المضمون،من جهة قيمتها المعرفية والفنية،والخصائص المميزة للادب الذي ينتمي اليه النص الاصلي، فضلا عن امكانية دراسة أهمية الاعمال المترجمة على مستوى أدب اللغة المترجم اليها. ويمكن ايضا دراسة شخصية المترجم ونظرته للعالم واتجاهه الأدبي و اتجاهه الفني ".

"ويمكن دراسة الترجمة ايضا كعملية ابداعية من وجهة نظر نفسية وبهذه الطريقة يمكن تناول الترجمة في اطار تاريخ الثقافة والادب وحتى علم النفس ".



"ومن حيث استمرارية صلة الترجمة باللغة فتعني انها -اي الترجمة-عمل ينجز دائما في اللغة وعن اللغة ولهذا يجب ان يكون موضع دراستها هو اللغة من جهة علاقتها بخاصية المقارنة بين اللغتين ووسائلهما الاسلوبية. والاكثر من هذا فان دراسة الترجمة في الاطار الادبي تحتاج دائما لدراسة الظواهر اللغوية و تحليل الوسائل اللغوية التي يعتمدها المترجمون. وهذا هو واقع الحال لان مضمون النص الاصلي لايوجد بذاته بل متحدا مع الشكل ومع الوسائل اللغوية المستخدمة للتعبير عنه وبوساطة هذه الوسائل فقط يمكن نقله- النص- الى اللغة الاخرى".

"يشغل مجال علم اللغة في دراسة الترجمة مكانة متميزة من حيث صلته باساسه نفسه: اللغة والتي خارج مداها لايمكن تحقيق اداء للترجمة ولا مقامها الثقافي المعرفي ولا مضمونها الفني ".



والان يمكننا تفهم وبصورة افضل تفسير مونين لمفهوم فيدوروف القائل بان الترجمة هي في المقام الاول عملية لغوية وهو كذلك حقا لان الشكل والمضون يشكلان وحدة لغوية غير منفصلة لا في لغة الاصل ولا في اللغة الهدف. ان اي تحليل ادبي لاحق للمادة المترجمة عليه ان يوضح كيفية إظهارالتوافق ،في المادة المترجمة،بين المضمون والشكل وذلك لا نهما يستجيبان الى اختيار عن قصد يدركه المترجم على اساس معرفته باللغتين وبسياقهما التاريخي -الفكري الذي يمكن ان يؤسس معايير نوعية عن "الذوق" الادبي الحسن وعن افضل اسلوب يتبع حسب احتياجات النص المترجم. وعليه يجب ان تكون هذه هي نقطة الانطلاق في هذا النوع من التحليل اذا اريد ان يكون تحليلا موضوعيا،على ان هذا لايعني باي حال من الاحوال عدم امكانية تطبيقه على انواع اخرى من البحث خارج اطار علم اللغة(البحث النفسي والبحث التاريخي والبحث الاجتماعي).



5- الترجمة ومشاكلها اللغوية


بعد ان خلصنا من إثبات الترجمة كفرع علمي وبالاخص لغوي، لنرى كيف يدرك فيدوروف ويعالج بعض المشاكل الرئيسية مثل المعجمية والنحوية والنصوصية(اي جنس النص المترجم)التي تظهر اثناء الترجمة.



المشاكل المعجمية: وتتناول امرين.
اولهما عند استدعاء الحاجة الى صياغة مصطلح جديد غير موجود في اللغة المترجم اليها، فكيف يتعامل معها المترجم. يجيب فيديوروف بالقول انه في هذه الحالات المعدودة التي يلجأ فيها المترجم لصياغة مصطلح جديد، فعليه ان يعمد الى العناصر المعجمية والصرفية الموجودة في اللغة المترجم اليها إنطلاقا من معرفته واحاطته بهذه العناصر؛ اخذا بنظر الاعتبار اهمية سياق النص الذي يحتوي على الكلمات او التعابير التي هي بحاجة الى صياغة مصطلحية. ويعطي فيدوروف اهمية لمضمون النص المحدود منه والواسع لانه من الضروري الاختيار بين الامور الثلاثة الاتية عند الحاجة لنقل معنى غير موجود في اللغة المترجم اليها، وهذه الاختيارات هي:



n عدم وجود ،في اللغة المترجم اليها، مكافئ معجمي لكلمة في اللغة المترجم عنها

n المكافئ غير تام ، بمعنى انه يغطي جزئيا معنى الكلمة الاجنبية

n وجود كلمات مختلفة في لغة الهدف مقابل معاني مختلفة لكلمة محل اشكال في اللغة المترجم عنها



الامر الثاني يتعلق بالمرادفات حيث يتردد احيانا عند ممارسة الترجمة وحتى بين المترجمين المحترفين الحديث عن محدودية هذه اللغة او تلك للتعبير عن معنى محدد لكلمة او تعبير. غير ان واقع اللامر هو ان العجز ليس امر اللغة نفسها بقدر ماهو قصور الملكة المعرفية للمترجم الذي بسبب افتقاره للملكة التي تمكنه من عرض اكبر عدد ممكن من البدائل الترجمية التي تحتويها اللغة فضلا عن انه لايلجأ الى المصادر المعجمية لاستشارتها متخذا بذلك موقفا سلبيا أمام مشكلة البحث عن المكافئات.





إن هذا النقص في روح التقصي والبحث يشكل دونما شك احدى المشاكل التي يصعب تجاوزها حتى عند اؤلئك المترجمين المقتدرين حيث يتولد عندهم شعور الكفاية الذاتية و الثقة المفرطة متاغسيا محدودية الخزين(الحفظ) البشري الذي يتطلب التحديث والتجديد من حيث علاقته بالذاكرة. ويعلق فيديوروف قائل: انه كلما توسع وكبر مجال وسائل المرادفات التي يمتلكها المترجم، زادت امكانية نجاح عمله.



مشاكل النصوص:


بلا شك ان فيدوروف لم يقتصر جهده ومساهماته في مجال نظرية الترجمة بل يتعداه الى حقل النظرية اللغوية نفسها حين يعي محللا ومطبقا فرضية ما حول طوبوغرافية النصوص وتخصصية النصوص بحيث يمكن اعتبارها احدى اولى المحاولات المنهجية في دخول حقل النصوص اللغوية. لانه لا يكتفي بتقديم اعتبارات نظرية فقط، بل يطبقها بصورة صحيحة في حالات ترجمية معينة.

ويقر فيديوروف بريادة سوبوليف في حقل المعالم النصية(طوبوغرافيا النص). في كتابه مسائل نظرية ومنهجية في الترجمة العلمية، يميز سوبوليف( حسبما يذكر فيدوروف) المادة المترجمة الى ثلاث مجاميع اساسية من جهة نصوصها: فنية، اعلانية وعملية.

وتتميز هذه الانواع الثلاثة من النصوص وفقا لسوبوليف بالخصوصيات التالية، فالمعيار لدقة الترجمة الفنية هو نقل الوسائل التعبيرية المختلفة من جهة اثراء التصورات والخيال ومشاعر الانفعالات واما النصوص الاعلانية فخصوصيتها تكمن في طبيعتها الدعائية جدا واخيرا تتميز الترجمة العلمية والتقنية بالمصطلحات.

ومن جهته ، يقسم فيدوروف اعمال الترجمة غير المقتصرة على النصوص الادبية الى ثلاث مجاميع :

n نصوص صحفية- اخبارية، توثيقية وعلمية متخصصة.

n نصوص دعائية

n اعمال فنية ادبية



وفيما يتعلق باحتمالية وجود نصوص تجمع خصائص اكثر من نوع واحد من المجاميع المذكورة اعلاه وحول معيار التصنيف، يقول فيديوروف:

يشار احيانا بهذا الخصوص بوجود مواد انتقالية او انواع هجينة من المواد ، مثلا في الادب الفني: اعمال تتعلق بالاخراج ولكنها ذات مصطلحات غزيرة وبيانات واقعية؛ في الادب العلمي: اعمال ذات طبيعة شعبية تستخدم وسائل تعبيرية ثرية بالخيال والصور الفنية.



ان معيار هذا التصنيف هو اسلوبي محض بكل ماتعنيه الكلمة ؛ حيث يسجل هذا التصنيف الوظائف التي تؤديها هذه الطائفة او تلك الطائفة من الوسائل اللغوية(من نحو مصطلحات، تعابير، خصائص جنس معين ، تراكيب نحوية سائدة، عناصر معجمية وقواعدية ثرية بمخزونها من الصور والمشاعر)، جنبا الى جنب الخاصية العامة للمضمون الذي يتم التعبير عنه من خلال الجنس الادبي المعين.

يلاحظ بوضوح ان فيدوروف بعرضه هذا التصنيف لمعالم النصوص، نجده متساوقا مع ماعرضه حول تلاحم الشكل والمضمون وحول النص موحدة تحليلية. حسنا ، ان الاتساق النوعي بين بعض وسائل تعبيرية مختلفة(مصطلحات، تراكيب نحوية، صور تعبيرية) والمضمون نفسه الذي يعبر عنه في النص بوساطة هذه الوسائل ، هو الذي يقرر الانتساب من عدمه الى احدى انواع المعالم النصية التي ذكرها المؤلف. من جهة اخرى، وفي نفس اتجاه تفكير فيدوروف، نضيف ان هذا الاتساق النوعي بين الشكل والمضمون والذي يقرر معالم النص، ذي علاقة مباشرة باهتمام المؤلف وانشغاله لتحقيق وبلوغ الاستقبال (= الاستيعاب) المناسب عند مستمع النص او قارئه.

لنمعن النظر وبدقة متناهية في اطروحات فيدوروف حول النصوص العلمية والنصوص الادبية اللتين تعتبران متضادين من جهة اقامة وتاسيس الاتساق بين الشكل والمضمون.



النص العلمي:


يشير فيدوروف الى اهمية المصطلحات قائلا:

في ترجمة النص العلمي والنص العلمي- التقني(كتب، مجلات وموسوعات) تواجهنا مسائل المصطلحات بكل ابعادها ذات العلاقة بحقل من حقول المعرفة.

وعموما فان مصطلحات جزء من نص متخصص معين تسود على بقية اجزاء النص من الكلمات. ولكن يصدق ايضا ان الكلمات العامة عند ورودها ضمن مجال من مجالات العلم والتقنية ، قد تكتسب معاني مختلفة باعتبارها ترمز الى اشياء ومفاهيم مختلفة اعتمادا على المضمون. والاقتراض اللغوي مهم حين لايوجد المقابل في اللغة المترجم اليها.



النص الادبي


تكمن مهمة الترجمة في النص الادبي باعادة انتاج واظهار الخصائص الفردية لنص معين اصلي، وهذا يشير الى وظيفة النص وليس بالضرورة الى الخصائص الشكلية في الاصل:

مثلا في الترجمة من الالمانية للروسية، عندما يكون تركيب العبارة والمعنى الجوهري للكلمات في حوار رواية او عمل نحوي مناظرا للنص الاصلي، يتم بسهولة تحسس اللون الادبي للنص الموجود في الاصل.

من تعريف الفن على انه فكر مصور وفكر خيال، فان صور الادب الفني ، على خلاف صور الفنون الاخرى، ترتبط مباشرة باللغة التي تمثلها وتستعرضها- اي الصور- "كعنصر اولي" حسب قول غوركي. وهذا يعني ان اسس هذه الصور الادبية هي فئات لغوية معينة: معجمية ونحوية، حيث ان الارتباط بين الصورة والفئة اللغوية هو ارتباط وثيق ومباشر. وهذا يقرر وبدقة نوعية العلاقة بين المضمون والشكل اللغوي في الفن الادبي مقارنة بالنص العلمي والنص التوثيقي العملي والنص الصحفي الاخباري حيث وظيفة الشكل اللغوي هي التعبير عن المفهوم والفكرة مؤديا بذلك مقاما اقل فاعلية. بينما نجد ان الشكل اللغوي في النص الادبي يتبادل استثنائيا عمله الفعال مع المضمون او مع كل صور المنظومة، بحيت تكون خصائصه مقررة لاستيعابه.

وهكذا فالعلاقة الوثيقة و المباشرة بين الشكل والمضمون في النص الادبي تجعل من ترجمته محفوفة بمشاكل نوعية من جهة تسلسل الوسائل اللغوية الشكلية التي تسمح باعادة انتاج مضمون الصور الموجودة في النص الاصلي. على ان هذا لايعني استحالة ترجمة نصوص من مثل هذه الانواع وعلى وجه الخصوص الشعرية منها بسبب خصوصيات الشكل في النص الاصلي. تمتلك اللغت وسائل ، ليست بالضرورة صنوية، يمكن اللجوء اليها لاعادة انتاج شكل معين .

ولقد ترك هذا السيل من احتمالات العلاقة بين وسائط الشكل اللغوي والمضمون في انجاز ترجمات الاعمال الادبية بصماته ولايزال في تاريخ الترجمة.



وعلق فيدوروف على هذه النقطة قائلا: وفيما يتعلق بتعميم هذه لتوجهات التي لوحظت وتلاحظ في الترجمات(في الماضي وفي الوقت المعاصر)، يمكننا ان نبين بعض حالات اساسية من العلاقة والتقابل بين خصوصية النص الاصلي وترجمته:

n فقدان شخصية النص من اجل تحقيق مفهوم الضرورة الادبية لمعيار اللغة التي يترجم اليها وكذلك لاجل تحقيق التذوق لاتجاه ادبي معين.

n محاولات اعادة انتاج العناصر الشكلية للاصل دون اعتبار لمتطلبات اللغة المترجمه اليها، وهذه الظاهرة تؤدي في النهاية الى انتهاك معايير هذه اللغة وتضفي عليها قيمة اسلوبية متدنبة.

n تحريف وتشويه الخصوصية الفردية للاصل كنتيجة لعملية اختيار عشوائي للوسائل اللغوية، فضلا عن الابدال العشوائي لبعض خصائص النص الاصلي ودقائقه.

n الاحتفاظ بقيمة التفرد الخاص للنص الاصلي بجميع دقائقه الاساسية ووفقا لمتطلبات لغة الهدف.



خاتمة

يتضح ان العنصر اللغوي في يجب ان يؤدي مقاما مميزا في تشكيل علم الترجمة ،الذي يمر اليوم بمرحلة تعزيز اسسه، حسب ماطرحه فيدوروف. على ان هذا لايعني بان تقتصر الدراسات الترجمية على التحليل اللغوي بالمعنى الحرفي، بل تعني ان يكون التحليل اللغوي هو نقطة ألانطلاق.



يتبين لناايضا مما استعرضناه في هذه الدراسة ان فيدوروف يعتبر رائد علم الترجمة الحديث وان لم يقر له بذلك الا بضعة باحثين في الترجمة مثل (مونين) و(جارسيا - جبرا)... و هذا واضح وجلي اذ تتاكد لنا صلاحية عمله وفاعليته عند تامل ودراسة اطروحاته النظرية التي عرضها وطبقها على حالات معينة محل إشكال ومن خلالها ندرك حرصه وشغفه على تفسيرها باسلوب تعليمي وواضح بحيث يستفيد منه المترجم والمهتمون بتدريس اللغات على حد سواء.



ولدراسة الترجمة بصورة علمية فهناك منهجان هما: علم الترجمة العام وهو يقابل ما اطلق عليه فيدوروف النظرية العامة، وعلم الترجمة الوصفي (النظرية الخاصة باصطلاح فيدوروف) الذي يتولى دراسة المشاكل الترجمية في لغتين. وبهذه الطريقة يتولد في الترجمة منهج بحثي يكون مجاله-حسبما يشير فيدوروف- مناظرا الى مجال الدراسة حاليا بين علم اللغة العام وعلم لغة معينة على وجه الخصوص. فبينما يسعى علم اللغة العام الى تاسيس مبادىء لغوية عامة على نطاق عالمي، نجد الثاني يجتهد في تاشير(=وصف،تحليل،توضيح)خصا ص الاختلاف بين اللغات الموجودة.



ان علم الترجمة العام-متبعين مبادىء فيدوروف وحسب فهمنا لها- تتولى دراسة الانساق العامة الموجودة في النشاط الترجمي ،يعني توضيح القاسم المشترك للنشاطات ،المناهج والوسائل المؤدية الى انجاز العمل الترجمي. وبالنشاطات نعني الى مايدور في خلد المترجم من أنشطة والتي يكمن احدها في ربط وسيلة لغوية ما بالمحتوى النصي المقابل باتفاق وتناسق مع السياق والمتغايرات الاخري الموجودة في العملية الترجمية. اما المناهج والوسائل فتشير الى التقنيات والطرق اللازمة لتحقيق النشاط الترجمي. ومن جهته فان علم الترجمة الخاص يتولى دراسة موارد التشابه والاختلاف الموجودة بين لغتين معينتين ،اعتمادا على علم اللغة المقارن،من حيث الأنماط والنصوص والقواعد.



في النهاية تجدر الاشارة الى ان فيدوروف عام 1953 اقر احدى فرضيات معالم النصوص وطبقها بنجاح في تحليله على بعض المشاكل وخاصة في الترجمة الادبية. إن هذا يشكل بلاشك سابقة قيمة لعلم اللغة النصوصي ،الذي ترسخت جذوره الاساسية في المانيا خلال حقبة الستينيات، وكذلك لعلم الترجمة الحديث الذي يقيم ويدرك الاهمية النظرية والاهمية التطبيقية لدراسات المعالم النصوصية.








هوامش المترجم


1 - جورج مونين(1963). مشاكل الترجمة النظرية (الترجمة الاسبانية)

2 - والذي يدرك فقط من خلال الموقع المؤقت لنظرية الترجمة عام 1953

3 -في كتابه مابعد بابل في فصل تطلعات النظرية

4 -Nida,E. and Taber,Ch. (1969). The theory and practice of Translation

5 -Larson,M.(1989) meaning-based translation.; Newmark,P.(1988). A Textbook of Translation












المصدر (http://www.bsu.edu/web/salmutairi/Zaid-Translation.htm)

http://www.saudienglish.net/vb/uploaded/16654_01190509798.gif

نهله الصاعدي
07-10-2007, 02:21 PM
يعطيك العافيه تراي تو ريتش على افراد هذه الصفحه

لتوضيح نظرية فيدوروف واسراد كل هذه التأملات

•0سحآبة خِير0•
07-10-2007, 10:35 PM
[]http://www.saudienglish.net/vb/uploaded/29751_01191780906.gif


Try To Reach

موضوع رائع جدير بالقراءه

لاعدمناك وادامك لنا

ميس
09-10-2007, 08:57 AM
غفر الله لك
وأثقل بهذا العمل موازينك
ونفع بك المسلمين
الشكر قليل
بحقك أيها المعطاء
وسيكون الدعاء أجدى بإذن الله

Scheherazade
17-10-2007, 10:48 AM
TTR , thank you so much for this informative thread

Regards

Try To Reach
19-10-2007, 11:24 AM
نهلة الصاعدي

منورة اختي

والف هلا

Try To Reach
19-10-2007, 11:24 AM
غيمة حنان

مرورك اسعدني اختي

الف شكر لكي

Try To Reach
19-10-2007, 11:25 AM
ميس

لا استغني والله

بارك الله فيك

وشكر الله سعيك

Try To Reach
19-10-2007, 11:26 AM
Mermaid
or
Scheherazade

both are names for the most sweetest girl in here

thanx and God bless you