الزهرة الخضراء
01-03-2008, 03:29 PM
وزارة التربية تأكل أبناءها
الكاتب:
سعود البلوي
من حق المعلمين والمعلمات مقاضاة وزارة التربية والتعليم، طالما كفل النظام لهم هذا الحق. فقد استُنفدت طاقاتهم - وجيوبهم - طوال هذه السنوات، بتعيينهم على مستويات أقل بكثير مما يستحقونه نظاماً. ولم يعد المعلمون والمعلمات ينتظرون كلمة شكر أو "تبجيل" من وزارتهم التي تخلت عنهم، بعد أن وقفوا موقفاً وطنياً لأكثر من عشر سنوات صامتين عن المطالبة بحقهم القانوني والأخلاقي في منحهم مستوياتهم المستحقة، إذ كانت الدولة تعاني بعض المشكلات الاقتصادية، وكان جزء من استراتيجية حلها في تقليص النفقات، خاصة أن وزارة التربية تحظى بنصيب وافر من الميزانية العامة للدولة.
الوزارة بثوبها القديم الجديد، لجأت إلى استراتيجية الصمت فيما يشبه التوجس من طروحات الصحافة، وخاصة بعد عزم عدد كبير من المعلمين رفع قضية ضدها في ديوان المظالم الذي يعتبر حتى الآن شعلة مضيئة في القضاء السعودي. وردة الفعل الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم أكدت لي أن البيروقراطية لا تلقي بظلالها فقط على المستوى الإداري، بل على فكر بعض منسوبي الوزارة؛ حيث قال المتحدث الرسمي باسمها الدكتور عبدالعزيز الجارالله "تتحفظ الوزارة على الطريقة التي يتم بها جمع الأموال للمرافعة واستخدام أساليب ليست نظامية مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة" (الوطن: 2631). لا جديد في هذا العبارات، فالمعلمون يعلمون تماماً أن الأنظمة السعودية تمنع التجمعات المناهضة للدولة أو جمع الأموال مشبوهة المصدر والتمويل، مثلما يحدث في تمويل الإرهاب أو غسيل الأموال لأنهم وقعوا على "تعاميم" بهذا الخصوص. يبدو أن التربية غير مؤمنة فعلاً بالحقوق ولذلك أتت التحذيرات الضمنية كمحاولة للتخويف والتهويش، بهدف إفشال عمل سلمي تطوعي قام به آلاف المعلمين لجمع تبرعات مالية لتمويل تكاليف رفع قضية ضد الوزارة في ديوان المظالم، حيث إن شركة المحاماة التي توكلت عنهم تريد ضمان حقوقها بطبيعة الحال.
لم تنجح محاولة الوزارة التحذيرية، حيث سلمت القضية لديوان المظالم عن طريق المحامي المختص، فلجأت "التربية" إلى أسلوب آخر في محاولة للتهدئة، من خلال أخبار عن (تحسين) مستوى أكثر من 60 ألف معلم ومعلمة، بينما الواقع هو نقل عدد من المعلمين من مستوياتهم الوظيفية المتدنية إلى مستويات متدنية أرفع منها بقليل، بدليل أن مدير عام الشؤون المالية والإدارية بالوزارة الأستاذ صالح الحميدي سبق أن صرّح بأن مرتبات المعلمين الحالية لن تتأثر كثيراً، لأنهم سينقلون إلى مستويات توازي مرتباتهم الحالية!
سياسة "التحسين" التي تتبعها الوزارة لن تجدي في جعل المعلمين والمعلمات يحصلون على مستوياتهم المستحقة نظاماً، لكن الحل هو بـ"تصحيح" أوضاع المعلمين وتعويضهم مالياً بأثر رجعي ليحصلوا على حقوقهم غير منقوصة، أو التسليم بالأمر الواقع والقبول بلجوء المعلمين إلى القضاء، خصوصاً أن وزارة التربية والتعليم لا تنكر خطأها بل تقره، لكنها لا تقدم حلاً ناجعاً في الوقت ذاته. وبالتالي أنا لا أفهم خشية مسؤوليها غير المبررة من التقاضي، الذي هو مظهر حضاري خلاق يجب دعمه وتأصيله من مبدأ إنساني، ولا سيما أنها تتجه لإقرار تدريس مبادئ حقوق الإنسان وتكريسها، لكني لا أراها تعير اهتماماً لقيمة العمل والقدرة على الإنتاج الذي به يتحقق وجود الإنسان وقدرته على الاستمرار في الحياة كفرد منتج؛ فما تتبعه بحق المعلمين والمعلمات (من خلال المستويات والبنود المؤقتة) يمكنني تشبيهه بالاستغلال، حيث لا توجد أسباب مقنعة لإرجاء الاستحقاقات الوظيفية، وبالتالي هناك مخالفة صريحة لما جاء في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" على أن "لكل شخص حق العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة"، و"لجميع الأفراد، دون تمييز، الحق في أجر متساوٍ على العمل المتساوي"، و"لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية، تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية وتستكمل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية" (الفقرة 1، 2، 3 من المادة 23).
مشكلة المعلمين ووزارتهم تحظى باهتمام كبير على الصعيد الاجتماعي، فبعض أعضاء مجلس الشورى تفضلوا مشكورين بالإشارة إلى ضرورة حل القضية، ومنهم عضو "الشورى" الدكتور أحمد آل مفرح، الذي ظهر منذ فترة في أحد برامج قناة "الإخبارية" وقال إنه كان معلماً ويعرف تماماً معاناة المعلمين، ولكن في ذات البرنامج حاول الدكتور عبدالرحمن المقبل، وكيل وزارة التربية للشؤون المدرسية، بثَّ رسالة سلبية (إحباطية) إلى المعلمين، بقوله إن أرشيف الوزارة يشهد بعدم نجاح أي قضية رفعت ضدها.. ولكن رد عليه أحد المعلمين، في اتصال من مدينة عرعر، موضحاً بعض الأمور الحسّاسة، ومنها مفاوضة الوزارة لبعض المعلمين من أجل التنازل عن قضية رفعوها مقابل إنصاف التربية لهم. وفي مداخلة هاتفية من عضو مجلس الشورى الدكتور محمد حسن الصائغ قال إنه شخصياً ومجلس الشورى متفاعل ومتعاطف مع قضية المعلمين هذه، ولكني أتساءل: أوليس الدكتور الصائغ نفسه كان مسؤولاً في وزارة التربية (وكالة شؤون الكليات) حين حدوث هذه المشكلة لأكثر من عشر سنوات؟
على أي حال، إن ما يؤسف عليه هو خطاب بعض مسؤولي وزارة التربية والتعليم الذي يشي بأن بعضهم ما زالوا يتوقعون أن ما يحدث اليوم يمكن معالجته بعقليات منتصف القرن الماضي، وهنا مكمن المشكلة. فالشفافية الإعلامية اليوم مطلب ملح، لذلك قامت بعض الفضائيات غير السعودية بتسليط الضوء على مطالب المعلمين، ومن حسنات ذلك أن موقف وزارة الخدمة المدنية من هذه القضية اتضح، بما يوحي أنها ربما تكون في منأى عن التسبب في المشكلة.
قبل عدة أيام حلَّ نائب وزير التربية والتعليم الدكتور سعيد المليص ضيفاً على قناة "المجد" الفضائية، فأوحى حديثه اللبق كعادته بتحسن الخطاب الرسمي للوزارة بشأن هذه القضية، غير أنه لم يؤكد متى تحل هذه المعضلة، مكتفياً بالقول إن الحل "قاب قوسين أو أدنى"، ومركّزاً على مسألة "التحسين" التي تعتبرها "التربية" إنجازاً لكنها لا تعني شيئاً إذا لم تضِف مردوداً مادياً للمعلم والمعلمة. لذلك قد تبقى المشكلة اليوم محصورة بين وزارتي المالية والتربية، كل منهما ترمي الكرة في ملعب الأخرى، ولكن إذا كانت وزارة التربية محقة في وقوفها (المعلن) إلى جانب منسوبيها فلتتوكل عن منسوبيها، ولتقاض "المالية" إن كانت تملك الحل وترفض تنفيذه... ولكن يبدو أن الحل الفصل بيد المعلمين من خلال ديوان المظالم.
_______________________________
جريدة الوطن \ الجمعة 22 صفر 1429هـ
الكاتب:
سعود البلوي
من حق المعلمين والمعلمات مقاضاة وزارة التربية والتعليم، طالما كفل النظام لهم هذا الحق. فقد استُنفدت طاقاتهم - وجيوبهم - طوال هذه السنوات، بتعيينهم على مستويات أقل بكثير مما يستحقونه نظاماً. ولم يعد المعلمون والمعلمات ينتظرون كلمة شكر أو "تبجيل" من وزارتهم التي تخلت عنهم، بعد أن وقفوا موقفاً وطنياً لأكثر من عشر سنوات صامتين عن المطالبة بحقهم القانوني والأخلاقي في منحهم مستوياتهم المستحقة، إذ كانت الدولة تعاني بعض المشكلات الاقتصادية، وكان جزء من استراتيجية حلها في تقليص النفقات، خاصة أن وزارة التربية تحظى بنصيب وافر من الميزانية العامة للدولة.
الوزارة بثوبها القديم الجديد، لجأت إلى استراتيجية الصمت فيما يشبه التوجس من طروحات الصحافة، وخاصة بعد عزم عدد كبير من المعلمين رفع قضية ضدها في ديوان المظالم الذي يعتبر حتى الآن شعلة مضيئة في القضاء السعودي. وردة الفعل الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم أكدت لي أن البيروقراطية لا تلقي بظلالها فقط على المستوى الإداري، بل على فكر بعض منسوبي الوزارة؛ حيث قال المتحدث الرسمي باسمها الدكتور عبدالعزيز الجارالله "تتحفظ الوزارة على الطريقة التي يتم بها جمع الأموال للمرافعة واستخدام أساليب ليست نظامية مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة" (الوطن: 2631). لا جديد في هذا العبارات، فالمعلمون يعلمون تماماً أن الأنظمة السعودية تمنع التجمعات المناهضة للدولة أو جمع الأموال مشبوهة المصدر والتمويل، مثلما يحدث في تمويل الإرهاب أو غسيل الأموال لأنهم وقعوا على "تعاميم" بهذا الخصوص. يبدو أن التربية غير مؤمنة فعلاً بالحقوق ولذلك أتت التحذيرات الضمنية كمحاولة للتخويف والتهويش، بهدف إفشال عمل سلمي تطوعي قام به آلاف المعلمين لجمع تبرعات مالية لتمويل تكاليف رفع قضية ضد الوزارة في ديوان المظالم، حيث إن شركة المحاماة التي توكلت عنهم تريد ضمان حقوقها بطبيعة الحال.
لم تنجح محاولة الوزارة التحذيرية، حيث سلمت القضية لديوان المظالم عن طريق المحامي المختص، فلجأت "التربية" إلى أسلوب آخر في محاولة للتهدئة، من خلال أخبار عن (تحسين) مستوى أكثر من 60 ألف معلم ومعلمة، بينما الواقع هو نقل عدد من المعلمين من مستوياتهم الوظيفية المتدنية إلى مستويات متدنية أرفع منها بقليل، بدليل أن مدير عام الشؤون المالية والإدارية بالوزارة الأستاذ صالح الحميدي سبق أن صرّح بأن مرتبات المعلمين الحالية لن تتأثر كثيراً، لأنهم سينقلون إلى مستويات توازي مرتباتهم الحالية!
سياسة "التحسين" التي تتبعها الوزارة لن تجدي في جعل المعلمين والمعلمات يحصلون على مستوياتهم المستحقة نظاماً، لكن الحل هو بـ"تصحيح" أوضاع المعلمين وتعويضهم مالياً بأثر رجعي ليحصلوا على حقوقهم غير منقوصة، أو التسليم بالأمر الواقع والقبول بلجوء المعلمين إلى القضاء، خصوصاً أن وزارة التربية والتعليم لا تنكر خطأها بل تقره، لكنها لا تقدم حلاً ناجعاً في الوقت ذاته. وبالتالي أنا لا أفهم خشية مسؤوليها غير المبررة من التقاضي، الذي هو مظهر حضاري خلاق يجب دعمه وتأصيله من مبدأ إنساني، ولا سيما أنها تتجه لإقرار تدريس مبادئ حقوق الإنسان وتكريسها، لكني لا أراها تعير اهتماماً لقيمة العمل والقدرة على الإنتاج الذي به يتحقق وجود الإنسان وقدرته على الاستمرار في الحياة كفرد منتج؛ فما تتبعه بحق المعلمين والمعلمات (من خلال المستويات والبنود المؤقتة) يمكنني تشبيهه بالاستغلال، حيث لا توجد أسباب مقنعة لإرجاء الاستحقاقات الوظيفية، وبالتالي هناك مخالفة صريحة لما جاء في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" على أن "لكل شخص حق العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة"، و"لجميع الأفراد، دون تمييز، الحق في أجر متساوٍ على العمل المتساوي"، و"لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية، تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية وتستكمل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية" (الفقرة 1، 2، 3 من المادة 23).
مشكلة المعلمين ووزارتهم تحظى باهتمام كبير على الصعيد الاجتماعي، فبعض أعضاء مجلس الشورى تفضلوا مشكورين بالإشارة إلى ضرورة حل القضية، ومنهم عضو "الشورى" الدكتور أحمد آل مفرح، الذي ظهر منذ فترة في أحد برامج قناة "الإخبارية" وقال إنه كان معلماً ويعرف تماماً معاناة المعلمين، ولكن في ذات البرنامج حاول الدكتور عبدالرحمن المقبل، وكيل وزارة التربية للشؤون المدرسية، بثَّ رسالة سلبية (إحباطية) إلى المعلمين، بقوله إن أرشيف الوزارة يشهد بعدم نجاح أي قضية رفعت ضدها.. ولكن رد عليه أحد المعلمين، في اتصال من مدينة عرعر، موضحاً بعض الأمور الحسّاسة، ومنها مفاوضة الوزارة لبعض المعلمين من أجل التنازل عن قضية رفعوها مقابل إنصاف التربية لهم. وفي مداخلة هاتفية من عضو مجلس الشورى الدكتور محمد حسن الصائغ قال إنه شخصياً ومجلس الشورى متفاعل ومتعاطف مع قضية المعلمين هذه، ولكني أتساءل: أوليس الدكتور الصائغ نفسه كان مسؤولاً في وزارة التربية (وكالة شؤون الكليات) حين حدوث هذه المشكلة لأكثر من عشر سنوات؟
على أي حال، إن ما يؤسف عليه هو خطاب بعض مسؤولي وزارة التربية والتعليم الذي يشي بأن بعضهم ما زالوا يتوقعون أن ما يحدث اليوم يمكن معالجته بعقليات منتصف القرن الماضي، وهنا مكمن المشكلة. فالشفافية الإعلامية اليوم مطلب ملح، لذلك قامت بعض الفضائيات غير السعودية بتسليط الضوء على مطالب المعلمين، ومن حسنات ذلك أن موقف وزارة الخدمة المدنية من هذه القضية اتضح، بما يوحي أنها ربما تكون في منأى عن التسبب في المشكلة.
قبل عدة أيام حلَّ نائب وزير التربية والتعليم الدكتور سعيد المليص ضيفاً على قناة "المجد" الفضائية، فأوحى حديثه اللبق كعادته بتحسن الخطاب الرسمي للوزارة بشأن هذه القضية، غير أنه لم يؤكد متى تحل هذه المعضلة، مكتفياً بالقول إن الحل "قاب قوسين أو أدنى"، ومركّزاً على مسألة "التحسين" التي تعتبرها "التربية" إنجازاً لكنها لا تعني شيئاً إذا لم تضِف مردوداً مادياً للمعلم والمعلمة. لذلك قد تبقى المشكلة اليوم محصورة بين وزارتي المالية والتربية، كل منهما ترمي الكرة في ملعب الأخرى، ولكن إذا كانت وزارة التربية محقة في وقوفها (المعلن) إلى جانب منسوبيها فلتتوكل عن منسوبيها، ولتقاض "المالية" إن كانت تملك الحل وترفض تنفيذه... ولكن يبدو أن الحل الفصل بيد المعلمين من خلال ديوان المظالم.
_______________________________
جريدة الوطن \ الجمعة 22 صفر 1429هـ