عندما كنت أذهب إلى مقر عملي بالحافلة ،كنت أتجول في عدد لا يستهان به من الأحياء لأني أول الركاب .
فكان يشدني تلك الكتابات الصارخة جرأة ،أو الحزينة أحياناً واللطيفة النابضة بالحب أحايين أخرى ...واستوقفتني تلك الخطوط الرائعة باللغة الانجليزية بغض النظر عن معناها -القبيح- ،بل وهناك رسومات مدهشة ...كل ذلك على جدران المدارس مثلاً وعلى جدران المنازل بأنواعها عمائر كانت أو فللاً وحتى أسوار المراكز الصحية كان لها نصيب زاخر من فيض أقلامهم - عفواً - بخاخاتهم...
فكنت أتساءل وما زلت ما الذي يميز هذه الجدران لتحوز على بوح أبنائنا ؟؟
ألسنا أحق بإبداعات أبنائنا وهمومهم ومصاعبهم من هذه الجدران؟؟
ما السر في هذه الجدران ؟؟
هل تسمعهم أكثر منا ؟؟
هل تفهمهم أكثر منا ؟؟؟
هل لديها حلولاً لما يسطر عليها من معاناة؟؟
هل باستطاعتها احتضان ابداعاتهم ومواهبهم الفاتنة ؟؟
حاصرتني الأسئلة الكثيرة لدرجة أنني وددت لو أكون أحد هذه الجدران لكي أقترب من هؤلاء الشباب فأساعدهم فيما يحتاجونه وأهدئ شيئاً مما يجتاحهم.. لأمد يد العون لهم ليرتقي من يريد الارتقاء ويصلح من عاف الفساد وأعلن التوبة والمآل ..ولأحتضن مواهبهم الواعدة ...
أو على أقل تقدير أسأل تلك الجدران ما الذي يجذب هؤلاء الشباب نحوكـ؟؟
في الحقيقة أشعر بأن للجدران أهمية في حياة شبابنا تفوق بقوة أهمية بني البشر لديهم ..
لذا أتساءل لماذا؟؟؟
هل البشر يتجاهلونهم ؟؟
هل البشر قساة معهم ؟؟
هل البشر لا يحسنون الاستماع إليهم بصبر ؟؟
هل البشر لا يستطيعون الحلم عليهم ؟؟
هل البشر يقابلون مواهبهم واهتمامتهم بسخرية ؟؟
هل البشر ينتقدون غريب وقوي وجرئ مشاعرهم وأحاسيسهم ؟؟
وبعد هذه التخمينات جال في خاطري أن الشباب يجدون الأمن النفسي مع هذه الجدران ،،نعم الأمن من ردود الأفعال الجامحة والجارحة التي قد تقتلهم وتنهيهم ،،
فما يميز الجدران هو ((صمتها وجمودها عن الحركة ))
فهي لن تمانع بأن يبوح لها بــ ((تروح وترجع بالسلامة يا...........)) مع أنه من السهل جداً أن يصارح هذا الشاب بهذه المقولة الطيبة من ينوي السفر بدلاً من أن يكتبها على سور المدرسة ..
ومثلها (( الله يرحمك يا .........))مثلها ((..........................)) إلخ
لكن أي نوع هذا المتلقي الذي يخشى هؤلاء الشباب التصريح لهم بمشاعرهم النبيلة ؟؟؟؟؟؟
وهي لن تتأزم وتنفر ممن كتب يوماً ما (( ليه حظي كذا ؟؟ليه ماحد يحبني ؟؟)) إنها لن تستثقله وتبدأ بجلده بسياط اللوم إجابة على سؤاله المحزن هذا ...
فلعله يفضل أن يطرح سؤالاً بلا إجابة ...
وغيرها من العبارات المؤلمة ..
أما الرسومات فلا تسل عن الجمال والاتقان والروعة ..لكن أليس مكانها معارض الفنون ؟؟؟؟
أما الخطوط عربية كانت أو أجنبية تأسرك وتملك عليك جنانك ،لكن أيضاً أليس مكانها معرض الفنون ؟؟؟
فبدلاً من تلك المشاوير البيروقراطية ليصلوا إلى معرض يسمح أو لا يسمح بعرض نتاجهم يفضلون البوح بجمال مكنونانهم for free بلا اعتبار لأصل أو فصل أو انتماء أو عمر ...
لا أعلم هل أقول :شكراً أيتها الجدران ؟؟
أم أقول لها :"نحن أحق باحتواء أبنائنا منك"
ألا يمكننا أن نمد يد العون لهم ونرفق بهم ليقصدونا بدلاً من أن يلجأوا إلى الجدران ؟؟
كم من الطاقات المتأججة التي بإمكاننا تسخيرها للرقي ببلادنا بدلاً من أن تكون طاقات مهدرة لا ينتفع بها حتى صاحبها!
اللهم سخر لشبابنا وشاباتنا خيرة عبادك الصالحين الناصحين الذين يأخذون بأيديهم حتى يصلوا بهم بل معهم إلى أرقى الإنجازات ...
اللهم آآمين ...
تــ ح ــياتي
شَهْقَة شَجَن
