كِتابٌ ربّانيِّ ومعجزةٌ سيَّرها الخالق على كفِّ الرّحمة المُهداة؛ ليكون نوراً يلُوح في غسقْ الدّجى تستنير بنهجه البصائرْ . تنسلُّ آياته عذبة القطر للنّفس فترقُّ ، وتصابُ بسكينةٍ تامةٍ ، وينسَابُ الدّمع على المقل ، ويتدثّرُ القلبُ رضاً وخشوعاً .
يُهذّب الرُّوح ، وتفيضُ طهراً ، وبكلّ حرفٍ تنالُ من الحسنات عشراً ، وتعلُو بها قدراً / قال عليه الصلاةُ والسَّلامْ :"يُقال لقارئ القرآن اقرأ وارتقْ ورتّل كما كنت ترتلُ في الدنيا فإنّ منزلتك عند آخر آيةٍ تقرؤُها" رواهُ الترمذيِّ .
ولتزدانَ التلاوةُ : فليصدحْ بالقرآن ويتغنَّى بآياته ، ويترسّلُ بقراءتهِ ، وليدعِ العُجالة ويجمعُ قلبهُ ، وللآيِ فليكُن متدبراً ، وإن وقفَ على نعيمٍ وبُشرىَ فليتضرَّع برجاءٍ لله وسُؤلاً أن يتبوّأ هُنالك نُزلاً
وإن عبر على مُرٍّ وسمُوم ولهيبٍ وجحيمْ فليعتريهِ البُكاءُ وجلاً بأن يكفيه المولى ذلك العذاب !
ومِن الواجبِ على قارئْ القُرآن وحاملِ كِتابِ الربِّ في فُؤادهِ أن يكُون لما يتلُو عاملاً وبخصالهِ مُستمسكاً ، وما قطفهُ من سُموِّ الأخلاقْ من أفانينِ القُرآن أن يروي بِها كيانهُ وتتسرّب إلى أعماقهِ
وبِها يلتزمْ ؛ يغدُو الكونُ مِعطاراً بِنفحِ عبيرِ أخلاقِه ، التي تمتازُ بالحُسنِ والطّيبْ لأنّهُ استقاها مِن كتابٍ نُورانيٍّ .
ولِمن أنفاسُه حرّى مِن الأنين ، ويُطلقُ الزفراتِ لأنّه بين قُضبان الهمّ سجينْ ..
فَ ليمضي سِراعاً ، للـِملاذْ وليستنزلِ الرّحماتْ بِتلك الآيات ، تُطفئُ لهيباً بينَ جنبيهِ وتُخمِدُ فجعةً ثائرةً وتكسُو صدرهُ انشراحـاً .!
فهُو شِفاءٌ مِن كل علّةٍ وسُقمٍ فَقد قال ابنُ القيِّم :"فالقُرآنُ هُو الشّفاءْ من جميعِ الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدّنيا والآخرةِ ومن لّم يشفهِ القُرآن .. لاشفاهُ الله ".
ويا الأسى عَلى من تعاهدَ كِتابَ ربّه بِالهُجـرانِ سِنـينْ !
وفرَّط فِيْ عُمرهِ .. وَانخرطَ فِي دَوائرَ مُظلمةٍ قَاتِمـةٍ كالسّوادْ !
ولجَأ لِما هُو أدنىَ .. فلقدْ حُرم وَظلم ذاتهُ وتاهَ في الدّربِ حيراناً وخسراناً ..!
فَليثُوبَ إلى رُشدِه قبلَ أنْ يتطَايرَ عُمرهُ هباءً فِي الملذّاتْ .. وتتكَاثرُ السَّقطاتْ !
وليُمزّقْ تِلك الأيّامَ الخَالِياتْ ويتسربلُ في بياضٍ ونقاءٍ بِالعودةِ لِلقُرآن !
فَإنّ لِقراءةِ القُرآنِ آناءَ اللّيلِ وأطرافَ النّهار آثارٌ شتَّى ، يُحيلُ الّدنيا بأسرِها روضاً يانعـاً ، وتحتضِنُ فُؤاد قارئِه وحَافظِهِ أفيـَاءُ جنَّـةٍ !
يسيرُ في مُروجِها ، ونُور أُفقِ القُرآن يُشعشِعُ في أنحائِها فيكُون لِدربهِ مُرشداً ولسُبل الحقّ هادياً
قال تعالى :" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " الإسراء .
وستنسكِبُ السّعادةُ في قلبهِ ماءً زُلالاً ، وتتلاشىَ عنهُ الأحزانْ ، ولايأسّ أبداً ؛ فإن القرآن لهُ سلوىً ومـأوىً .
والحيـَاةُ بِالقُرآن أُنـسٌ لايفنـى .. ونعيمٌ لايبـلى !