الكاتب: أ./ محمود القلعاوي
يذكر أن هناك ثلاجة كبيرة تابعة لشركة لبيع المواد الغذائية. وفى يوم من الأيام دخل عامل إلى الثلاجة -وكانت عبارة عن غرفة كبيرة- دخل العامل لكي يجرد الصناديق التي بالداخل…فجأة وبالخطأ أغلق على هذا العامل الباب، طرق الباب عدة مرات، ولم يفتح له أحد، وكان في نهاية الدوام، وفي آخر الأسبوع؛ حيث إن اليومين القادمين عطلة.
عرف الرجل أنه سوف يهلك .. لا أحد يسمع طرقه للباب.. جلس ينتظر مصيره .. وبعد يومين فتح الموظفون الباب .. وفعلاً وجدوا الرجل قد توفي .. ووجدوا بجانبه ورقه كتب فيها .. ما كان يشعر به قبل وفاته .. وجدوه قد كتب: أنا الآن محبوس في هذه الثلاجة .. أحس بأطرافي بدأت تتجمد .. أشعر بتنمل في أطرافي .. أشعر أنني لا أستطيع أن أتحرك .. أشعر أنني أموت من البرد .. وبدأت الكتابة تضعف شيئًا فشيئًا حتى أصبح الخط ضعيفًا.. إلى أن انقطع. العجيب أن الثلاجة كانت مطفأة، ولم تكن متصلة بالكهرباء إطلاقًا !!
برأيكم من قتل هذا الرجل ؟؟ .. لم يكن سوى " الوهم " الذي كان يعيشه .. كان يعتقد بما أنه في الثلاجة إذن الجو بارد جدًا تحت الصفر .. وأنه سوف يموت .. واعتقاده هذا جعله يموت حقيقة…!!
لها تأثير فعال على الفرد
ولقد أثبتت الدراسات الحديثة أن للرسائل السلبية الموجهة إلى العقل الباطن للإنسان تأثير فعال وخطير على أفكار الفرد ومعتقداته، وبالتالي سلوكه وتصرفاته؛ فعندما يستقبل أحدنا رسائل سلبية تقلل من قدره ومكانته أو من مواهبه وأفكاره مثل:
- أنت لست أفضل من غيرك.
- لا يمكن أن تنجح.
- فكرتك غبية.
- هل تعتقد أنك أذكى من الآخرين.
- إن أحلامك مستحيلة التحقيق، ونحو ذلك كثير؛ فقد يستسلم الفرد لهذه الرسائل ويصدقها، فتدخل إلى العقل الباطن وترسخ فيه، ثم عند أي محاولة - بعد ذلك - للعمل والجد والإنجاز والتميز ستظهر هذه الرسائل بشكل واضح.
"
الطفل العربي يتلقى من سن الطفولة إلى سن الرشد أكثر من 18000 رسالة سلبية تختزن في عقله الباطن، ثم تظهر على شكل تصرفات غير سوية لشخصية مضطربة
"
يقول الأستاذ عبد الدائم الكحيل:" يجب عليك أن تتخيل دماغك على أنه مجموعة من الأجهزة الهندسية الدقيقة، والتي تعمل وفق برنامج محدد، أنت من سيدير هذا البرنامج، وهذا هو مفتاح النجاح! أما إذا لم تدرك هذه الحقيقة، فسوف يُدار دماغك من قبل الأصدقاء والأهل والمجتمع المحيط والمؤثرات المحيطة بك، وستصبح إنسانًا انفعاليًا، وغير قادر على التحكم بذاته أو عواطفه.
"
يجب عليك أن تتخيل دماغك على أنه مجموعة من الأجهزة الهندسية الدقيقة، والتي تعمل وفق برنامج محدد، أنت من سيدير هذا البرنامج، وهذا هو مفتاح النجاح
"
صدق أو لا تصدق
يقول العلماء: إن الطفل العربي يتلقى من سن الطفولة إلى سن الرشد أكثر من 18000 رسالة سلبية تختزن في عقله الباطن، ثم تظهر على شكل تصرفات غير سوية لشخصية مضطربة.
وكم فشل الابن؛ لأن أباه منذ الطفولة كان يقول له يا فاشل؛ لأنه لم يأخذ الدرجة النهائية، في حين أخذ أقل منها بدرجة واحدة.
الإسلام يحارب الرسائل السلبية
يقول الدكتور بدر عبد الحميد هميسه: وقد رفض الإسلام الرسائل السلبية التي قد تأتي للإنسان من داخل ذاته أو من خارجها, وتكون سببًا في تثبيط همته, وتقويض عزيمته؛ قال الله تعالى مخاطبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم-:" وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [آل عمران: 176]. وقال:" وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" [ يونس: 65].
وحينما استكثر المسلمون ما أصابهم من البلاء يوم أحد، وقد كانوا أصابوا يوم بدر من المشركين ضعف ذلك، فأنزل الله -عز وجل- في ذلك:" أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [ آل عمران: 165]، وكذلك يبشر الله عبده بالمخرج منها حين تباشره المصائب، ليكون هذا الرجاء مخففًا لما نزل به من البلاء، قال تعالى:" وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" [ يوسف: 15].
وكذلك رؤيا يوسف، كان يعقوب إذا ذكرها رجاء الفرج، وهب على قلبه نسيم الرجاء، ولهذا قال:" يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ" [ يوسف: 87]، وكذلك قوله لأم موسى:" وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" [ القصص:7].
وعندما وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- على جبل أحد ذات يوم، وتذكر الصحابة -رضوان الله عليهم- ما وقع لهم من هزيمة على هذا الجبل, أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لا تصل هذه الرسالة السلبية عن جبل أحد في نفوسهم, فقال لهم محولاً تلك الرسالة السلبية إلى رسالة ايجابية:" أحد جبل يحبنا و نحبه"(1).
وحينما مر بجبل يسمى جمدان, ولم يتفاءل بعضهم بالاسم قال:" سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ"(2).
بل إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يغير الأسماء التي من الممكن أن توصل إلى أصحابها رسائل سلبية؛ فعَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ، قَالَ: لاَ أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي .. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ (3).
*كان النبى يغير الأسماء التي من الممكن أن توصل إلى أصحابها رسائل سلبية
وفي الهجرة المباركة لما خاف الصديق على رسول الله من أذي قريش, وقال لرسول الله:" لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ "، رفض الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الرسالة السلبية، وقال له في ثبات المؤمن ويقينه بربه:" يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا "، فأنزل الله تعالى:" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [ التوبة: 40].
مواقف رائعة
أم طه: امرأة في السبعين من عمرها لا تجيد القراءة والكتابة .. تمنت ذات يوم أن تكتب بيدها اسم الله حتى لا تموت وهي لا تعرف الكتابة .. فتعلمت الكتابة والقراءة .. ثم قررت أن تحفظ كتاب الله .. وخلال سنتين استطاعت أم طه الكبيرة في السن أن تحفظ كتاب الله -عز وجل- كاملاً …لم يمنعها كبرها ولا ضعفها لئن لها هدفًا واضحًا .. في حين أن الكثير يتعذر ويقول: أنا ذاكرتي ضعيفة وحفظي بطيء .. وهو في عز شبابه .. حقًا إنها القناعات.
أحد الطلاب: في إحدى الجامعات في كولومبيا حضر أحد الطلاب محاضرة مادة الرياضيات .. وجلس في آخر القاعة (ونام بهدوء ) .. وفي نهاية المحاضرة استيقظ على أصوات الطلاب .. ونظر إلى السبورة فوجد أن الدكتور كتب عليها مسألتين .. فنقلهما بسرعة، وخرج من القاعة، وعندما رجع البيت بدأ يفكر في حل هاتين المسألتين .. كانت المسألتان صعبتان، فذهب إلى مكتبة الجامعة، وأخذ المراجع اللازمة .. وبعد أربعة أيام استطاع أن يحل المسألة الأولى، وهو ناقم على الدكتور الذي أعطاهم هذا الواجب الصعب !!
وفي محاضرة الرياضيات اللاحقة تعجب أن الدكتور لم يطلب منهم الواجب .. فذهب إليه وقال له: يا دكتور لقد استغرقت في حل المسألة الأولى أربعة أيام، وحللتها في أربعة أوراق .. تعجب الدكتور وقال للطالب: ولكني لم أعطيكم أي واجب !! .. والمسألتأن التي كتبتهما على السبورة هي أمثلة للمسائل التي عجز العلم عن حلها …!!
إن هذه القناعة السلبية جعلت الكثير من العلماء لا يفكرون حتى في محاولة حل هذه المسألة. ولو كان هذا الطالب مستيقظًا وسمع شرح الدكتور لما فكر في حل المسألة .. ولكن رب نومة نافعة .. وما زالت هذه المسألة بورقاتها الأربعة معروضة في تلك الجامعة.
اعتقاد بين رياضي الجري: قبل خمسين عام كان هناك اعتقاد بين رياضي الجرى أن الإنسان لا يستطيع أن يقطع ميلاً في أقل من أربع دقائق، وأن أي شخص يحاول كسر الرقم سوف ينفجر قلبه،
ولكن أحد الرياضيين سأل: هل هناك شخص حاول وانفجر قلبه؟ فجاءته الإجابة بالنفي !!
فبدأ بالتمرن حتى استطاع أن يكسر الرقم، ويقطع مسافة ميل في أقل من أربع دقائق .. في البداية ظن العالم أنه مجنون، أو أن ساعته غير صحيحة .. لكن بعد أن رأوه صدقوا الأمر، واستطاع في نفس العام أكثر من 100 رياضي أن يكسر ذلك الرقم !! .. بالطبع القناعة السلبية هي التي منعتهم أن يحاولوا من قبل .. فلما زالت القناعة استطاعوا أن يبدعوا.
حتى لا تستقبل رسائل سلبية
تقول المدربة والمستشارة أ- خلود بمركز الحلم الواعد: لكل من يستقبل هذه الرسائل السلبية أقدم لهم ريموت كنترول نفسي:
أولاً: عندما تصلك رسالة سلبية من الخارج، سواء كان صديقًا أو عكس ذلك، قم بتجميد الرسالة فورًا في الهواء، أو قم بتغليفها بأكثر الألوان القاتمة التي لا تحبها، أو اشعر بأن لها رائحة كريهة، ولا تريدها أن تقترب منك.
ثانيًا: استحضر صورتك الداخلية القوية المتميزة التي زرعتها في نفسك أثناء هذه اللحظة، وتخيلها أمامك وهي كبيرة جدًا جدًا جدًا، واسمع نفسك وأنت تقول أنا قوي واثق بنفسي.
ثالثًا: إذا تأكدت من أن هذه الرسالة سلبية الأثر عليك، فما عليك سوى أن تقوم بإلغائها من ذهنك بصريًا أو سمعيًا أو حسيًا، أو بأن تراها تطير أمامك مبتعدًا في تخيلك وأنت ترفضها تمامًا.
رابعًا: تأكد بأن هذه العملية لم تستغرق معك سوى ثواني قليلة كل مرة، وأنها بدأت تأخذ السرعة القصوى في دماغك حتى لا تفكر بها وتشعر بالأسى لمن قالها لك.
خامسًا: فكر في رسالة سلبية أخرى كانت قد وصلت سابقًا، ثم قم باستخدام تكنيك زر الإلغاء؛ للتخلص منها، وتفعيل هذا الزر الدماغي حتى يصبح على كفاءة عالية، وقدرة على إلغاء الرسائل السلبية بسرعة وعن طريق العقل اللاواعي.
وفى النهاية:
يقول الدكتور بدر عبد الحميد هميسه:
فكن متفائلاً بقوة بأنك ستحقق النجاح والتوفيق، واحذر بشدة للرسائل السلبية التي يتلقاها عقلك الباطل من أصدقائك وأفراد عائلتك والمحيطين بك، ولا تسمح لأي شخص أن يبرمج لك عقلك بتوقعات سلبية, وطور من رسائلك الإيجابية، وتفاءل بالخير تجده.
==========
(1) صحيح الجامع حديث رقم : 191
(2) أخرجه: مسلم: 6905، أحمد: 2 / 411 (9321)، ابن حِبَّان: 858
(3) أخرجه: البُخَارِي: 8 / 53 (6190).
فائدة
قال الدكتور إبراهيم الفقي((إن عينيك ليست سوى انعكاسا لأفكارك))
المفضلات