الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فقد رُوِيَ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْه)).
وهذا الحديث ضعيف لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ، وإن كان مشهورًا عند كثير من الناس، وقد ثبت بِلَفْظٍ آخر من حديث أبي قتادة، وأبي الدهماء قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، وقلنا: هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، قال: سمعته يقول: ((إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ إلاَّ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ)).
وهذا الحديث العظيم قد اشتمل على ثلاث جُمَل.
الأولى قوله: ((لن تدع شيئًا))، وهذا لفظ عام يشمل كل شيء يتركه الإنسان؛ ابتغاءَ وجه الله تعالى.
الثانية: قوله: ((لله - عزَّ وجلَّ -))، هذه الجملة بَيَّن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الترك لابد أن يكون ابتغاءَ مرضاة الله لا خوفًا من سُلْطان، أو حَيَاء من إنسان، أو عدم القدرة على التمكن منه، أو غير ذلك.
الثالثة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أبدله الله خيرًا منه))، وهذه الجملة فيها بيانٌ للجزاء
الذي يناله من قام بذلك الشرط، وهو تعويض الله للتارك خيرًا وأفضل مما ترك، والعوض من الله قد يكون من جنس المتروك، أو من غير جنسه، ومنه الأنس بالله - عز وجل - ومحبته وطُمأنينة القلب وانشراح الصدر، ويكون في الدنيا والآخرة؛ كما عَلَّم اللهُ المؤمِنَ أن يدعو: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201].
قال قتادة السدوسي: لا يقدر رجلٌ على حرام ثم يدعه، ليس به إلا مخافة الله - عز وجل -، إلا أَبْدَلَهُ في عاجل الدنيا قبل الآخرة.
وفي حديث أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما يَرْوِيه عن ربه قال: ((يقول الله: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَة، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوا لَهُ حَسَنَة، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سُبْعُمَائَة))[2].
والأمثلة التي تُبيِّن عظيم خلف الله تعالى لعباده كثيرة جدًا، منها:
ما قصه الله تعالى عن نبي الله سليمان - عليه السلام - في سورة (ص)، وخلاصته: أنه كان محبًّا للجهاد في سبيل الله، ولذلك كانت عنده خيل كثيرة وكان يحبها حبًّا شديدًا، فاشتغل بها يومًا حتى فاتته صلاة العصر، فغربت الشمس قبل أن يصلي، فأمر بها فرُدَّتْ عليه، فضرب أعناقها وعراقبيها بالسيوف؛ إيثارًا لمحبة الله - عز وجل -، وقد كان ذلك جائزًا في شريعتهم.
فعَوَّضه الله - عز وجل - خيرًا منها الريح التي تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، تقطع في النهار ما يقطعه غيرها في شَهْرَيْن.
وإليك الآيات فتدبر. قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 30: 36].
المثال الثاني: النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما هاجروا تركوا ديارهم، وأموالهم لله تعالى، فعوَّضهم الله بأن جعلهم قادة الدنيا، وحُكَّام الأرض وفتح عليهم خزائن كِسْرَى وقيصر، ومَكَّنهم من رقاب الملوك والجبابرة، هذا مع ما يرجى لهم من نعيم الآخرة، فشكروا، ولم يكفروا، وتواضعوا ولم يتكبروا، وحكموا بالعدل بين الناس، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
وتأمل قصة أحد هؤلاءِ المهاجرين، وهو صُهَيْب الرومي - رضي الله عنه -، فعن عِكْرِمة قال: لمَّا خرج صهيب مُهاجرًا تبعه أهل مكة، فنثل كنانته فأخرج منها أربعين سَهْمًا، فقال: "لا تَصِلُونَ إليّ حتَّى أضع في كُلِّ رجُلٍ منكم سهمًا، ثم أصير بعد إلى السيف، فتعلمون أني رجل، وقد خلفت بمكة قينتين فهما لكم.. ونزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}، فلمَّا رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أَبَا يَحْيَى رَبِحَ البَيْعُ، قَالَ: وتلا عليه الآية)).
المثال الثالث: نبي الله يوسف - عليه الصلاة والسلام - عُرِضَتْ عليه المغريات في أرقى صورها، فاستعصم فعصمه الله، وترك ذلك لله - عز وجل -؛ لأنَّ الله جعله من المخلصين، وأُوذِيَ بسبب ذلك؛ فاختار السجن على ما يدعونه إليه، فصبر واختار ما عند الله فعوضه الله تعالى أحسن العوض، فملَّكه على خزائن الأرض، وعلمه تأويل الرؤيا، فنعم المُعْطِي، ونعم المُعْطَى، ونعمت العَطِيَّة.
قال تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33: 34].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 56].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر موقع الألوكة
هل سستغيّر مجريات حياتنا بسبب هذه المعاني
((مَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْه))
صدق رسول الله صلى الله علية وسلم
اخي dear
بارك الله فيك و جزاك الله الف خير
جزاك الله كل خير وبارك الله فيك
استغفرالله العظيم واتوب اليه
dear
جزاك الله خير الجزاء ورفع قدرك
على التوضيح والموضوع الذي يبعث الطمأنينة في القلوب
كل الشكــر اخي الكريم ..
الله يسلمك
عزيزنا dear
يمكن يكون في ما معنى الحديث
جزاك الله كل خير
وهدا من الحسن الظن بالله سبحانه و تعالى
سعدت جدا لتواجدي
في حفظ الله و رعايته
جزاك الله كل خير وبارك الله فيك
http://www.saudienglish.net/vb/uploa...1284175281.gif
أكثر من الصلاة على النبي" صلى الله عليه وسلم "half-moon44
الله يجزاك خيير ويرزقك ماتمنيتي
سبحان الله ما أكثر كرم ربي على عبيده ...
يترك الشئ لله ويعوضه الله بشئ أفضل منه ..
جزاك الله خير
..
كلما استحدث الله لك نعمة، فليكن همك أن تستحدث له طاعة ...
ما لا يكون بالله لا يكون .. وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم ...
إنما العيش أن لا يبقى منك جارحة إلا وهي تجاذبك إلى طاعة الله ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
dear
انتقاءات قيمة ودرر منثورة هنا وهناكـ
نفع الله بكـ و غفر لكـ وجعلكـ مباركاً أينما كنت أخي الفاضل
نسأل الله العوض في الدنيا والآخرة
كل الشكــــــــــــــــــــر
/
" اللهم استعملني في طاعتك "
/
أستغفر الله العظيم التواب الرحيم لذنبي
وللمسلمين والمسلمات و المؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات إلى يوم الدين
جزاك الله خيرا
جزاك الله خير ع التوضيح وجعلنا من المتواصين بالحق
اللهم فى تدبيرك مايغنى عن الحيل،وفى كرمك ماهو فوق الأمل
وفى حلمك مايسد الخلل،وفى عفوك ما يمحو الزلل
اللهم فبقوة تدبيرك وعظيم عفوك وسعة حلمك وفيض كرمك
أسألك بأن تدبرنى بأحسن التدابير وتلطف بى وتنجينى مما يخيفنى
ويهمنى.اللهم لا أضام وأنت حسبى ولا أفتقر وأنت ربى اللهم فأصلح
لى شأنى كله ولا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولاحول ولاقوة الا بك
المفضلات