والله ما ادري هذا طلبك او لا على كل حال حصلت لك هذا الشرح
ومسرحية (فاوست) لجوته تستحق أيضاً وقفة خاصة, فقد كتبها طيلة عقود عديدة كان يضيف اليها في كل مرة شيئاً, حتى صدرت في خمسة فصول سنة 1808م, والفصول متفاوتة الطول تتعرض فيها مأساة فاوست من خلال ما يتجاذبه من عواطف وقيم بين ميفيستو الشيطان وعالم الحق والخير, ومحاولته الفكاك من ثلاث مآس متقاطعة الخيوط, أولها (مأساة الرجل العالم) حيث ان فاوست بعد أن سئم العلم اتجه الى السحر, وقد أثبت جدارته, فبه (استحضر روح الأرض) كما أقنع تلميذه فاجنر ثم بقية الناس بخوارقه, وأيضاً مأساة الحب العاصف الذي لا يعرف المنطق ولا القيم, وأخيراً مأساة الوجود الانساني بصفة عامة.
إن فاوست جوته في قرارة نفسه ممزق بين عالمين متناقضين هما قوى الخير والقيم والايمان من جهة ومن جهة ثانية, قوى الشر ممثلة في الشيطان ميفيستو والرغبات والشهوة, وكما يمكن أن نتوقع, يميل جوته ببطله الى الشهوات الآنية, وإلى أن يرجح الطرف الثاني في الرهان دون الإعلان عن أنه الطرف الشرير, لأن أحكام القيمة هنا غير محسومة بالنسبة له لصالح أي طرف كان, ولذا كان العاجل الملموس يبدو طافحاً على السطح أكثر من أي شيء آخر, وابتداء من اهداء المسرحية, الذي جاء في شكل قصيدة تسبق المقدمة, أما المقدمة نفسها (فهي عبارة عن حوار يتناول مصاعب المسرح, يدور بين الشاعر والمخرج المسرحي والمهرج.
وتبدأ المسرحية بتمهيد أيضاً تدور أحداثه في السماء, حيث نجد المخلوقات العلوية تتغنى بجمال العالم والوجود, ونجد الشيطان ميفيستو ينكي هذا الجمال بشدة, ويسخر من البشر ويعير فاوست بجشعه, ويؤذن للشيطان بإغواء فاوست), وبسرعة ينقاد له ولشروره, وتزداد مأساته, وينغمس في الرذائل وتتوالى المشاهد, وحين يصل مرحلة اليأس من العالم والحياة يتدخل منفستو ويعرض عليه توقيع عقد معه, ومن ثم يأخذ بيده الى (مباهج الحياة الحقيقية) ويستمر الاغواء حين يستقبل الشيطان ميفيستو أحد الطلبة وينصحه لجميع أنواع الرذائل ويؤكد عليه أن يستمع إلى نصائحه كما فعل فاوست, وينغمس الاثنان فيما نصح به الشيطان, ففي (حانة أويرباخ بليبزيج تسمع بعض الأغاني يرافقها رقص رخيص مبتذل وجلسة عربدة ماجنة, ويبقى فاوست أثناء ذلك صامتا, ولكن ميفيستو ينخرط في أداء (أغنية البرغوث) ويملأ الأقداح, وفجأة يشل حركة الحاضرين, ويسقطهم صرعى للدلالة على قدراته الخارقة).
ثم يبدأ شبح هيلين الجميلة يطارد فاوست, كما يشغله خاصة مصير مارجريريت, ويوبخ ميفيستو لأنه أخفى عنه حقيقتها, ومع تقدم السن به يحاول فاوست أن يثوب لرشده إذ نجده في الفصل الخامس يؤنب أيضاً ميفيستو وثلاثة من جنوده ويعيرهم بما جمعوه من أموال وخيرات دنيوية من القرصنة والاحتيال, وفي تلك اللحظة بالذات نراه هو يقدم على نفس الرذيلة متمنياً الحصول على بيت فيلمون بنفس الطريقة ويستعين بالشيطان لتحقيق غايته.
وفي النهاية يسقط فاوست ويأتي ميفيستو وأتباعه من الأشرار لأخذ روحه لكن المخلوقات العلوية الخيرة تسبقه اليها وترفع روحه عاليا الى عالم الخير (فوق العالم وبين الخيرين الذي يتغنون بالحب الأسمى وفي عالم السماء) وهذه النهاية السعيدة هي واحدة من أكثر عناصر مسرحية جوته, لأنها تقدم لأول مرة نهاية ايجابية لهذه الشخصية التي جرت العادة على اعتبارها رمز الشر والسحر ومثالا لمن باع نفسه للشيطان وتخلى عن الفضائل لينال خسيس الرذائل, واستعاض عن الجواهر بالأعراض, وعن الحقيقة بزيف النفس وفسادها وفنائها الشهواني الخسيس.
المفضلات