ثم لما كانت السنة الخامسة للهجرة , في شهر شعبان ,
خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تسمة غزوة بني المصطلق , و يقال لها :
غزوة المريسيع .
و كانت من عادة النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج للغزو أن يخرج في سفر أو غزوة يجري قرعة بين نسائه .
انظر ..
إلى حسن معاملته صلى الله عليه وسلم .
فأجرى النبي صلى الله عليه وسلم القرعة فخرج سهم عائشة رضى الله عنها ..
فخرجوا للغزو حتى إذا عادوا قريب المدينة , نزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً يرتاح فيه , ينام فيه .
فإذ بعقد عائشة ينسلت منها و إذ بها تسمع مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بالرحيل .
ناموا قليلاً ثم أرادوا الرحيل .. يعني ما أطالوا النوم ..
فعائشة ماذا تصنع و قد انسلت عقدها و خرجت في حاجتها و عادت فإذ بالقوم قد تحركوا و تركوها .
و ذلك لأن عائشة كان تركب في هودج , فيحمل الهودج على البعير , فكان الصحابة يأخذون الهودج و يضعونه على البعير و يمضون .
و كانت عائشة خفيفة الوزن , قليلة اللحم . فحملوا الهودج و كانوا لا يدرون أن عائشة غير موجودة .
يحسبون أن عائشة بالداخل .. حملوا الهودج ووضعوه على البعير و انطلقوا .
فأتت عائشة رضى الله عنها في هذا الظلام و انطلق الناس فتلفعت بثيابها و جلست تبكي ,
فكان صفوان بن معطل السلمي رضى الله عنه يمشي آخر الجيش ,
يمكن أحد فقد شئ فيأتي صفوان رضى الله عنه فيحمله , يمشي آخر الجيش ,
فلما مضوا و تلفعت عائشة و جلست تبكي إذ بصفوان يقف على سواد , فجعل صفوان يقول :
لا حول و لا قوة إلا بالله !!
ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟!!
ثم سأل عن هذا .. فتقول عائشة :
فوالله ما كلمته إلا ان أناخ البعير ثم تنحى ( ابتعد ) حتى تركب عائشة و لا يراها ,,
و لا يرى عورتها و لا يظهر من جسدها شئ .. أم المؤمنين رضى الله عنها .
فأخذ البعير و انطلق به يقوده إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ,
و لكن المنافقين و المغرضين كانوا قد أشعلوا الفتنة في المدينة ,
يقولون :
اين امرأة نبيكم ؟؟
فلما جاءت على البعير يقودها صفوان إذ بعبد الله بن ابي بن سلول كبير المنافقين يهيج الخبر و يحث الناس على الكلام .
يقول : أين كانت هذه ؟
و الله ما نجت منه و لا نجى منها !!!!
انظر إلى الخبيث ,
يشيع الخبر و يحرك الناس حتى يتكلموا .
و عائشة رضى الله عنها ما تدري , فشاع الخبر في المدينة .
و كان في هذا موقف من مواقف التربية الإيمانية .
فأشاعوا الخبر و كان كما يتمنون و كان الخبر كما وصفه الله ( إذ تلقونه بألسنتكم )
يسمع الخبر فيلقيه مباشرة , ينشر الخبر .. تهيج .. إشاعة .. خطر على المسلمين .
فلما كان الأمر كذلك و عائشة نزلت ببيتها ما تدري عن الخبر و فكانت عائشة رضى الله عنها في بيتها,
فلم تلبث أيامًا حتى مرضت ما تعلم بالخبر و و لم تنتبه إلا ما حصل .
تقول :
ما يريبني شئ غير أني لا أجد اللطف الذي كنت أجده من النبي صلى الله عليه وسلم حين أشتكي !!
فقدت لطف النبي صلى الله عليه وسلم , و كان النبي صلوات ربي و سلامه عليه يتلطف مع عائشة غاية التلطف ,
و خاصة إذا مرضت و كان كثيرًا ما يناديها يا عائش .
لكنها لم تجد اللطف الذي كانت تجده , غير أنها استأذنت أن تمرضها أمها , فجاءت أمها تمرضها في بيتها ,
فذات يوم كانت أمها تمرضها إذ دخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
كيف تيكم ؟؟
الذي يقول عائش يقول الآن كيف تيكم ؟؟!!!!
فبدأ يريب عائشة أن هناك شئ , لكنها لم تضع في خاطرها ,
حتى مضى على هذا بضع و عشرين يومًا و لم تكن تخرج من بيتها ,
حتى استأذنت في الخروج لقضاء حاجتها , و لم تكن في البيوت حمامات .
تقول عائشة :
و لم نكن نتخذ الكنف كنا قومًا عرب , لا نتخذ الكنف في بيوتنا .
فخرجت لقضاء حاجتها ,مع امرأة جليلة هي أم مسطح , و مسطح رضى الله عنه هو أحد الصحابة ,
فخرجت معها و مسطح هو أحد الذين تكلموا في عائشة و و لكن عائشة لا تدري , أمها تدري .
فخرجت , فبينما هما في الطريق , إذ تعثرت أم مسطح في ثيابها , فسبت مسطح و دعت عليه !!
فغضبت عائشة , و قالت : لم ,, صحابي قد شهد بدرًا ؟
فتعجبت المرأة و قالت : أو ما بلغك الخبر ؟؟!!
قالت : و أي خبر ؟؟ .. فأخبرتها .
فرجعت عائشة إلى بيتها تبكي .. تقول :
فبكيت حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي .
الحصان , الرزان , ابنة أبي بكر , زوجة النبي صلى الله عليه وسلم تطعن هذه الطعنة !!
تقول :
فبكيت حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي .
فبينها هي كذلك و الناس يتكلمون , إذ خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليهدئهم ,
فقام اسيد بن حضير و قال :
يا رسول الله إن كان منا فمرنا نضرب عنقه , و إن كان من إخواننا الخزرج فمر أحدهم يضرب عنقه .
فقام سعد بن عبادة و قال :
لا .. لأنك تعلم أنه ليس منا .
فقامت المشكلة بين الأوس و الخزرج , و في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه من الهم و الحزن على بيته و عرضه .
فكان أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر الصديق و قال :
يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله .
و في هذه القصة أكبر دليل على ان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب , إذ لو كان يعلم الغيب لعلم أن عائشة ما فعلت .
فقال :
يا عائشة إن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله .
فالتفتت عائشة إلى أبيها و قال : يا أبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : ما أجد ما أجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت : فالتفت إلى أمي و قلت : يا امي أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت : و الله لا أجد ما أجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت عائشة : فبكيت حتى قلص دمعي ( انتهى ) ,
و لم تجد بدّ إلا أن تجيب ..
هي يجب أن تجيب الآن .
قالت : فقلت : و الله ما أجد لي و لكم مثلاً إلا كوالد يوسف إذ قال لأخوة يوسف :
فصبرٌ جميل و الله المستعان على ما تصفون .
و الله إن قلت لكم إني فعلت , الله يعلم أني ما فعلت لتصدقنني و ليغضبن الله علي ,
و إن قلت لكم ما فعلت ما صدقتموني .
فلم يلبث هذا الموقف إذ غشى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
و تحدر العرق منه فلما أفاق قال :
أبشري يا عائشة , نزل الوحي ..
أبشري يا عائشة قد أنزل الله براءتك .
فبكت عائشة رضى الله عنها , و قالت :
يا رسول الله من عندك أم من عند الله ؟؟
فقال : بل من عند الله .
تقول عائشة رضى الله عنها :
و الله لشأني في نفسي أحقر من أن ينزل في قرآنًا يتلى .
و أصبحت هذه القصة تتلى في مساجد المسلمين إلى اليوم و إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ,
برأها الله سبحانه و بحمده , من فوق سبع سموات .
المفضلات